عنوان هذا المقال (حلب حرق) مثل أحوازي، مضمونه يدل على أن “التنبؤ عن مجريات ونتائج حدث الساعة أصبح فائق الدقة”. وبحسب حكاية هذا المثل أنه في قديم الأيام أمر حكام الأحواز بسجن جميع نساء العاصمة على إثر تسريب أخبار وأسرار البلاط الحكومي ونشرها في الأسواق العامة عبر حديث النساء بعضهن لبعض. وفيما يتعلق بفترة تواجد النساء في السجن والأحداث التي مرت عليهن، قيل إنه بعد فترة وجيزة من سجنهن بدأ الرماد المتطاير يتساقط على المنطقة وساحة السجن كذلك، حينها بدأ الحديث بين النساء في السجن عن مصدر الرماد المتطاير، وتناقلت الشائعات بينهن؛ قد شبت النار في سوق مدينة حلب! وتؤكد إحدى العجائز السجينات أن هذا الرماد المتطاير قد يأتي من حلب على إثر نار يبدو أنها شبت بسوق الأقمشة في هذه المدينة!
وصلت هذه المعلومات من قبل إدارة السجن إلى الحاكم، حينها قرر الحاكم أن يبعث وفداً كي يتقصى عن مصدر الرماد المتطاير، وفوجئ الجميع، حيث وجدوا أن ما دار من حديث لدى النساء حول مصدر الرماد المتطاير مؤكد تماماً! وأن هناك حريقاً شب بسوق الأقمشة في حلب قضى على هذا السوق بأكمله.
أمر الحاكم حينها بإطلاق سراح جميع النساء، ولم تعد امرأة تدخل السجن بعد هذا الحدث، وظل الحاكم يعالج قضية تسريب أسرار البلاط الحكومي بشكل آخر بعيداً عن زج النساء في السجون وترهيبهن.
ما يحدث في سوريا منذ أكثر من سنة ونصف السنة حصد الآلاف من أرواح الأبرياء، ودمر البنى التحتية في أرجاء هذا البلد، وبموازات هذه الأحداث نرى أن الدول والمؤسسات الدولية فشلت فشلاً ذريعاً في تسوية الأزمة، وكذلك المجازر المستمرة التي ترتكب بين حين وآخر على يد أعضاء الجيش النظامي ومؤيدي النظام لم تهز مشاعر استراتيجيي روسيا والصين باعتبار الاثنين كأكبر مساهمين بعرقلة مشاريع عدة فيما يتعلق بمطالبات الشعب السوري المتمثلة بتنحي الرئيس الأسد وكل هيكلة النظام بأشخاصها وشخوصها، بحسب تعبير العديد من القيادات والتكتلات في ثورة سوريا.
لكن بعد انتظار طال فترة طويلة ومؤلمة لدى أطراف مؤثرة في الثورة، دخلت مؤخراً على الخط اثنتان من أكبر مدن سوريا، أي حلب ودمشق، وبغض النظر عن المظاهرات التي كانت تحدث بين حين وآخر في تلك المدينتين إلا أن الوضع اختلف تماماً الآن نتيجة استمرار النضال الجماهيري المصحوب بالكفاح المسلح والمنظم والمستمر ضد الديكتاتورية، والتي أدى كفاحها الهادف إلى تفكك مواقف حلفاء دولة سوريا، كما استطاع هذا الحراك الجماهيري والعسكري أن يحشد مواقف دولية أدانت ما يحدث في سوريا بحق الشعب السوري الأعزل على يد السلطات الحكومية ومؤيديها.
مؤخراً وبعدما بدأت عملية عسكرية واسعة على يد أفراد الجيش الحر في مدينة حلب، والتي حظيت بترحيب شعبي واسع في المدينة بغية التخلص من النظام الحاكم، تخوف النظام من هذا المؤشر الثوري، ووصف الرئيس الأسد أن ما يحدث في حلب وبدقة فائقة “بالمعركة الحاسمة”، بحسب وكالة أنباء سوريا.
على المستوى الدولي تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة الثالث من أغسطس الجاري قراراً يدين استخدام العنف في سوريا من قبل الحكومة، ويطالب في الوقت ذاته بانتقال سلمي سياسي للسلطة.
كما انتقد مشروع القرار غير الملزم مجلس الأمن لفشله في اتخاذ إجراءات لوقف العنف، وأوضح القرار أن الجمعية العامة “تأسف لفشل مجلس الأمن في الاتفاق على إجراءات لضمان إذعان السلطات السورية لقراراته”. وأقرت الجمعية العامة القرار بموافقة 133 عضواً واعتراض 12 وامتناع 33 دولة عن التصويت.
في جبهة حلفاء الأسد؛ نرى أن هناك تخوفاً ملحوظاً حيث بدأ الحلف بالتفكك شيئاً فشيئاً، ومن مؤشرات هذا التفكك؛ بموازات التطورات الميدانية في سوريا والتطورات السياسية على الساحة الدولية فيما يتعلق بالأزمة السورية، في مقدمة الحلفاء تعترف روسيا ولأول مرة وبشكل ضمني أن نظام دمشق يمارس العنف ضد المتظاهرين والآمنين في بيوتهم، حيث قالت إن الطرفين في المعركة السورية (أي الثوار والسلطات الأمنية كالجيش النظامي والأمن ومؤيدي النظام من جهة أخرى) يمارسون العنف!
جاء هذا التصريح الروسي المبطن بعدما وقعت مجازر عدة حمل الشعب السوري والجيش الحر مسؤوليتها على عاتق جيش النظام، وإن دل هذا التصريح الروسي على شيء فإنما يدل على اهتزاز موقف موسكو تجاه أزمة نظام دمشق. ويذهب البعض في تفسير هذا التصريح الى أبعد بكثير، حيث يقول إن روسيا بدأت بالتفكير بمرحلة ما بعد بشار الأسد وكيفية حفظ مصالحها في الشرق الأوسط.
في نفس السياق نرى أكبر حليف لسلطة بشار الأسد، أي الصين، اكتفت بتجديدها رفض التدخل الخارجي في سوريا، وناشدت موسكو بمنح دمشق مساعدات مالية واقتصادية كبيرة لمساعدة دمشق على التخفيف من تداعيات العقوبات الغربية المفروضة على النظام، جاء ذلك على لسان نائب رئيس إدارة شؤون غرب آسيا وشمال أفريقيا في الخارجية الصينية. وفي قراءة ما بين السطور في حديث الدبلوماسي الصيني وما يمكن تفسيره من موقف بكين بعد اجتماع الجمعية العامة وإدانتها ممارسة العنف والتصويت بأغلبية ساحقة لصالح المشروع السعودي للانتقال السياسي في دمشق، يمكن القول إن بكين تريد أن تسلم لموسكو سلة المشكلات الاقتصادية التي تورط بها نظام دمشق الأمر الذي من المؤكد سيخلق خلافات سياسية ما بين روسيا والصين وإيران في إدارة الملف السوري، وفي نفس الوقت تبحث بكين عن طريق للابتعاد عن انعكاسات تدهور نظام بشار وتفكر بما بعد الحدث، لذلك تريد أن تتحمل أقل قدر من مسؤولية ما يحدث، من هنا نقول إن بكين لا تريد أن تخسر دولاراً واحداً على دولة الأسد التي باتت من الماضي، ولن تغامر بمصالحها المستقبلية على انتعاش جسد حكومة دمشق.
إيرانياً نرى أنه ومنذ فترة طويلة وقعت طهران في قائمة العقوبات الدولية و«قصم ظهرها” بحسب ما جاء على لسان أسد الله عسكر أولادي، الاقتصادي المقرب من خامنئي، في مقابلة خاصة نشرت في الرقم 20 من أسبوعية “أسمان” التي تنشر في طهران. بمعنى أن إيران رغم كل ما تعمله من مناورات عسكرية وتصريحات نارية لا تستطيع أن تستمر بمساعدة حليفتها المتورطة بمعركة واسعة الأبعاد، ومن جهة أخرى نرى أن العملة الإيرانية هبطت 110 بالمائة على إثر العقوبات المفروضة على إيران بحسب تجار الصيرفة في طهران، ما يعني أن إيران لم تستطع أن تشد أوزار اقتصادها على المستوى الداخلي وتواجه طهران أزمة قاصمة كما وصفت آنفاً.
من هذا المنطلق يمكننا القول إن “معركة حلب” باتت هي الحاسمة، ونرى أن آمال حلفاء دمشق باتت تتبدد، وكلاً من موسكو وبكين وطهران يفكرون في مرحلة ما بعد الثورة في سوريا، والجميع ينتظر ما يحدث في حلب بمافي ذلك حلفاء دمشق الآخرين كحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي وغيرهم، ويقول البعض عبر معلوماته الخاصة أن حماس غيرت البوصلة من دمشق إلى رام الله، وقيادات الجهاد توجهوا إلى طهران للإقامة هناك، وحزب الله نقل العديد من كوادره السياسية وعوائلهم إلى طهران، وكذلك بعض حلفاء حزب الله في لبنان نقلوا العديد من عوائلهم إلى دول أوروبية.
ميدانياً؛ لا اريد أتحدث عن دور حلب التاريخي وموقعية هذه المدينة الاستراتيجية، حيث أصبح الأمر مكشوفاً لمتتبعي الشأن السوري، ويكفي القول إنه إذا استطاع الثوار أن يسيطروا على حلب سوف تصبح المدينة جسراً مباشراً إلى الشام، هنا يمكن لنا استخدام المثل الأحوازي ونقول “حلب حرق”، حيث تحليلات وتكهنات متتبعي شأن سوريا فيما يتعلق بدور حلب التاريخي وضرورة تواجد وحضور هذه المدينة في قلب الثورة أصبح جلي وواضح المعالم، وكذلك واضح النتائج باعتبار المدينة ماكينة لا يستطيع النظام إطفاءها إن اشتغلت