البحرين حباها الله بالكثير من النعم ماضياً وحاضراً، البحرين بمثابة حورية تعيش في البحر تلاطمها الأمواج من جميع الجهات، وتشرق الشمس وتغيب من أرضها، لها تاريخ حافل حيث وطأت على أرضها أكثر القبائل العربية شهرة وتاريخاً وقوة، زارها العديد من الرحالة من شرقيين وغربيين، وأصبحت مرفأ لكل أصناف التجارة، وكعبة للأدباء والشعراء. اقتصادها الماضي اعتمد على البحر، فبقرب هذه الجزيرة العديد من مغاصات اللؤلؤ وواحات المرجان، كان طريقاً من الماء يتجه من ضفة الجزيرة حتى تلك المناجم التي أثرت تجار المجتمع البحريني وعاش على رزقه الكثير من أبناء هذا المجتمع، فرزقه كثير وإيراده وفير، واقتناؤه غنيمة ولبسه زينة. وفي قرار تأريخي لمنظمة اليونسكو العالمية تم إدراج مشروع طريق اللؤلؤ ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي مؤخراً، وذلك في الاجتماع الذي عقدته المنظمة في دورتها السادسة والثلاثين بمدينة سانت بطرسبورغ الروسية، ليصبح “طريق اللؤلؤ” الموقع البحريني الثاني بعد موقع “قلعة البحرين” الذي تم تسجيله كموقع عالمي في عام 2007م. وهذا الاهتمام العالمي بالتراث البحريني لم يأتِ من فراغ بل جاء بفضل الجهود البحرينية المُخلصة التي تبذلها حكومة مملكة البحرين بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء للقضايا الثقافية ولكافة القضايا التي ترفع من شأن مملكة البحرين في الداخل والخارج. وهذا الاهتمام الوطني الحكومي بتراث البحرين المجيد هو تأكيد لتمسك الدولة وقيادتها وشعبها بتراث الآباء والأجداد، وهو جزء لا يتجزأ من التاريخ البحريني الأصيل، وهو ما يُعزز قيم الانتماء إلى هذا الوطن، فتراث الوطن وتاريخ الأجداد والآباء ليس مجرد ماديات خاوية ومباني واقفة بقدر ما هو قيم وانتماء ورسالة ووجدان يعيش في قلب كل مواطن ليكون دائماً حاضراً وشاهداً على عظمة ذلك الزمان وتاريخ أولئك الرجال الأفذاذ بكافة فئاتهم الاجتماعية والوطنية الذين دشنوا بفضل وحدتهم وحبهم لوطنهم هذا التاريخ والتراث المجيد. واليوم ينتقل اللؤلؤ من اقتصاد وطني سابق إلى تراث وطني حاضر، ومَعلم يُشار إليه بالبنان، وطريق اللؤلؤ يمتد لثلاثٍ من الكيلومترات من قرب “قلعة بوماهر” حتى “بيت سيادي” حيث يحتضن عدداً من المنازل التراثية توثق للتاريخ عن حياة الأجداد الذين عملوا سابقاً في مهنة “الغوص” (الغواص، السيب، الرضيف، النوخذة والطواش). وبغض النظر عن التكلفة المادية للمشروع فإن هذه القيمة لا تقارن أبداً بقيمته التراثية وخصوصية حاضره الدائم في أفئدة الشعب البحريني، وكإرث إنساني خاصة اليوم فإنه أصبح مَعلماً تراثياً دولياً، وهو أحد المشاريع الثقافية الوطنية التي تبادر بها وتنفذها سعادة وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، حيث أصبحت الثقافة البحرينية تتميز بطعمٍ خاص من خلال المشاريع التي تم تنفيذها منذ أن تولت هذه السيدة الجليلة إدارة هذه الوزارة. إن مشروع “طريق اللؤلؤ” يمثل اليوم مكسباً لمملكة البحرين، ورصيداً ثقافياً يُعزز من الأنشطة الثقافية والتراثية التي تنفذها وزارة الثقافة البحرينية على استمرار العام الميلادي، وهو ما سيعمل على وضع مملكة البحرين على خريطة السياحة العالمية لما تملكه من المواقع الأثرية والتراثية المنتشرة في ربوعها، من بيوت وقلاع ومراكز تراثية ومواقع ثقافية وتراث شعبي ما زال يُمارس أثناء المناسبات والاحتفالات الوطنية، بجانب مشروع “الفورمولا ـ 1” و«جنة دلمون المفقود”. وغيرها من المواقع التراثية والثقافية والترفيهية والتجارية الأخرى التي ساهمت في جذب العديد من الزائرين والسائحين من داخل وخارج البحرين. إن استنهاض المواقع التراثية والثقافية البحرينية ليس منوطاً بالدور الحكومي وبوزارة الثقافة، وإنما للمواطن البحريني أيضاً دور كبير في نهضة هذه المواقع وفي إنجاحها كمشاريع سياحية، وذلك من خلال زيارتها والترويج لها، فهي أولاً جزء عزيز من الوطن، وثانياً تراث وطني خالد ساهم في بنائه الأجداد وأوصله إلينا الآباء ونحن يجب أن نحافظ عليه ونطوره وننهض به وبدورنا سنسلمه إلى الأبناء، وعلينا بادئ ذي بدء أن نعرف أبناءنا على هذا الإرث التاريخي ومقوماته وتاريخه وأن يشاهدوه من خلال زياراتهم العائلية والمدرسية. وبهذا التكاتف الحكومي والشعبي سيتحقق النجاح لمملكة البحرين ولحكومتها ولشعبها في تحقيق الكثير من المنجزات والمكاسب الوطنية.