نستيقظ على خبر ضرب زلزال بقوة 5.2 درجات في “زهان” جنوب إيران. وهو الثالث خلال شهر بعد زلزالي “أذربيجان الشرق ” بقوة 6.2 درجات، و«ورزغان” بقوة 6 درجات، حيث قتل 300 شخص وأصيب الآلاف بجروح.
وفي الصباح نفسه نتلقى جرعة تؤكد شرعية مخاوفنا من زلازل إيران، حيث يدعو وزير خارجية الكويت الشيخ صباح الخالد المجتمع الدولي لإيجاد حل سلمي للملف النووي الإيراني، مشيراً إلى أن محطة بوشهر النووية التي تبعد 120 كيلومتراً عن الكويت هي مصدر قلق حقيقي.
لكننا مثل من “هرب من القوم ووقع في السرية” كما تقول الأمثال الشعبية حين يهرب الشخص من أمر، فيجد نفسه في أسوأ منه.
فبالخوف من إشعاعات بوشهر قلبنا الدنيا ولم نقعدها، وتناسينا أن “أم القواطي” شمال البلاد هي مفاعل نووي انطلقت إشعاعاته من عقالها منذ 1991.
ففي العقد الأخير من الحرب الباردة تفوق “حلف وارسو” على الغرب في مجال القوة البرية، خصوصاً بعدد وكفاءة الدبابات السوفيتية، التي كانت سيدتها الدبابة “T72” المذهلة في التدريع والمناورة، مما دفع الغرب للتفكير في تدميرها، فكان الحل في استثمار النفايات النووية، التي شكل التخلص منها مشكلة لهم. فتم استخدام اليورانيوم المنضب في قذائف الدبابات والمدافع والطائرات لكثافته العالية التي تعطيه زخماً، يساعد على اختراق الدروع، وميزة الالتهاب التي تؤدي إلى انفجارالهدف العسكري. لكن خطورة اليورانيوم المنضب تكمن في تولد حرارة شديدة عند ارتطام القذيفة بالهدف مما يؤدي لتشظي القذيفة لقطع صغيرة كالهباء، تنتشر في البيئة وتسبب تلوثاً إشعاعياً مميتاً.
لقد تعرض شمال الكويت لعمليات قصف جوي واسعة، استهدفت القوات العراقية الغازية لمدة 40 يوماً. استخدمت خلالها أسلحة حاوية على اليورانيوم المنضب بكميات بلغت 300 طن.
وقد زعم الأمريكيون أن اليورانيوم كان منخفض الإشعاع، وضرره مؤقت، لكن أعراض مرض “حرب الخليج” على جنودهم كشفت حقيقة اليورانيوم المنضب الخطرة.
ثم زاد الطين بلة تحول منطقة “أم القواطي” التي حملت هذا الاسم لجمع الذخائر وصناديقها والآليات العسكرية العراقية المعطوبة فيها لمنطقة ملوّثة بـاليورانيوم المنضّب.
وهي بكل المقاييس الجغرافية قريبة من الكويت، فإذا لم تنتقل الإشعاعات منها بالرياح الشمالية دائمة الهبوب، فسيتسرب الإشعاع للمياه الجوفية المرتبطة بالبحر وهو مصدر مياه الشرب.
لم نروج يوماً لاحتمال شبح الحرب، والضربة الجوية لإيران، ولم نجد أن من الحصافة أن نكون مصدر لإشاعات الإشعاعات. فما الذي تغير لفتح الموضوع، وقد سبق أن أعلنت الحكومة الكويتية تخلصها من الآليات العراقية الملوّثة!.
لقد فتح ملف التلوث الإشعاعي تراجع مقولة الشارع إنه “لكي تصبح كويتياً يجب أن تصاب بالسكري أو الضغط أو القولون” وتقدم بدل منها مقولة إن “كل شخص في الكويت له قريب مصاب بالسرطان”.
ثم شرع أبواب هذا الملف حوار عبر “تويتر” لرئيس لجنة شؤون البيئة والطاقة النووية بمجلس أمة 2012 د.حمد المطر، أكد فيه قول وكيل وزارة الدفاع الكويتية السابق وجود يورانيوم مشع في الكويت، تم اكتشافه في الدوحة حيث منطقة تخزين الآليات العسكرية الأمريكية بجانب معسكرهم السابق، وتمثلت المشكلة في أن تيار البحر يصل هذه المنطقة في حالة المد الأعلى. كما قال وكيل الوزارة السابق: “اتخذنا الإجراءات اللازمة بتجميع ونقل جميع الآليات العسكرية الملوثة إلى منطقه “أم القواطي”، وقمنا بتغطيتها جيداً وطرحنا مناقصة تقطيعها ونقلها مع تربتها لأمريكا.
ثم قمنا بتنظيف منطقة التخزين السابقة عن طريق إزالة الأتربة على عمق متر، ووضعناها في حاويات ونقلت لأم القواطي ثم لأمريكا”.
وأضاف “أجرينا مسحاً كاملاً للمنطقتين وأثبتت النتائج خلوها من التلوث”. ويتبقى الآن التأكد من خلو المنطقتين من أي تلوثات جديدة.
لكن ما لم يقله وكيل الوزارة السابق هو أن اليورانيوم يحتاج إلى نحو 40 مليار سنة حتى يفقد قدرته على الإشعاع، مما يعني أن عملية التنظيف والنقل لو تركت وراءها هباء قليل -وهو أمر وارد- فستبقى المنطقة ملوثة، ما لم تتخذ إجراءات خاصة جداً لا نعتقد بأنها قد استكملت. وما لم يقله الوكيل أيضاً أن ما لا يقل عن 15 ضابطاً من رفاق السلاح بالقوة الجوية فقط، وليس كل الجيش، ولا كل البلد، قد أصيبوا بالسرطان، منهم من توفاه الله، ومنهم من ينتظر أجله.
وإحقاقاً للحق فقد أمر وزير الدفاع بإيفاد مرضى السرطان من العسكريين للعلاج في الخارج. لكن المشكلة لا تكمن في وجود المصابين من العاملين في قطاع واحد بل في الكويت كلها.
أما الملف النووي الجديد فهو سكراب محطة البترول العراقية “خرانج” المشهورة بالتلوث الإشعاعي قرب الحدود العراقية السعودية الكويتية. حيث يذهب الباحث العراقي في مجال اليورانيوم المنضب “عبد الوهاب الجبوري” إلى أنه قد تم إجراء البحث في المحطة مع العالم البريطاني “بيسي كيرس” الذي جاء مع فريق قناة “الجزيرة” الفضائية لإعداد برنامج سري للغاية، ووجد أن الإشعاع يصل فيها بعد قصفها لمستويات عالية جداً.
إن الإجراءات السرية في مجملها والتي تحدث عن بعضها وكيل وزارة الدفاع الكويتي السابق تبدو كالحدود القصوى للتحرك تجاه مشكلة لم تحل. مع الأخذ بعين الاعتبار أننا لن نعرف بتسرب الإشعاع من “بوشهر” عند حدوثه، بحكم أن أمانة طهران تجاه شعبها قبلنا، ستكون مثل أمانتها في نقل خطاب الرئيس المصري محمد مرسي لهم. فهل تعرضنا لإشعاعات الأمريكيين من”أم القواطي” ومن “خرانج” سيخلق لدينا مناعة ضد إشعاعات إيران! أم أننا نتهرب من إشعاعات الإيرانيين ونحن أصلاً في براثن إشعاعات الأمريكيين، كـ “من طق من القوم وطاح في السرية؟”.
? المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج