تحظى المنشآت الصغيرة والمتوسطة بمزيد من الاهتمام على المستوى العالمي، وينعكس ذلك على المستويين القطري والإقليمي، بما في ذلك المنطقة العربية، فبالأمس احتضنت غرفة تجارة وصناعة الرياض بالمملكة العربية السعودية “ملتقى المنشآت الصغيرة والمتوسطة”، الذي شاركت فيه، بالإضافة إلى ممثلين عن تلك المنشآت، “ست جهات حكومية لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة لبحث سبل تعزيز دور تلك القطاعات”. وقبل ذلك، وتحديداً في أبريل 2012، خصص “الملتقى الاقتصادي الثالث” في سلطنة عمان أعماله لمعالجة موضوعة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مركزاً على محاولة الوصول إلى تعريف محدد بشأنها، باحثاً عن أفضل السبل القادرة على إنعاشها، وتعزيز دورها في الاقتصاد العماني.
ويعود السبب الرئيس في تنامي الاهتمام بهذا القطاع، الدور المميز والكبير الذي باتت تشغله تلك المنشآت في الاقتصاد العالمي، حيث يذهب البعض إلى أنها باتت “تشكل ما نسبته 90 % تقريباً من المنشآت في العالم وتوظف من “50% - 60%” من القوى العاملة في العالم”. وفي الدول الأوروبية نجد أن تلك المؤسسات، كما يقول عنها سليمان ناصر وعواطف محسن في بحثهما المشترك المقدم إلى “الملتقى الدولي الأول لمعهد العلوم الاقتصادية، التجارية وعلوم التسيير”، والمعنون، “حول الاقتصاد الإسلامي، الواقع ورهانات المستقبل”، المنعقد بتاريخ 24 فبراير 2011 في مدينة الغرداية بالجزائر. “تشكل نسبة 99% من مؤسساتها، وتوفر ما بين 20 % إلى 80 % من مناصب شغل مأجورة، وتساهم بنسبة 30% إلى 70% من الناتج الداخلي الخام. وتساهم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التابعة للقطاع الخاص بأكثر من النصف في الناتج الداخلي الإجمالي لكل من: الدانمارك، وإسبانيا، فرنسا، اليابان والبرتغال”.
لهذا الأسباب وأخرى غيرها، أولت اقتصادات العالم، بما فيها تلك الدول المتقدمة، اهتماما متزايدا بتلك المنشآت، وباتت، في حالات كثيرة، تضعها في أولويات مشروعاتها التنموية، نظراً، كما أشرنا أعلاه، لدورها الإيجابي المميز الذي باتت تمارسه، حالياً وفي المستقبل المنظور، في تطوير الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادر نموه، وفي توليد القيمة المضافة التي يحتاجها، على حد سواء.
وشأنها شأن أية ظاهرة تنموية اقتصادية أخرى، حديثة العهد، تواجه المنشآت المتوسطة والصغيرة، ومعها مشروعات رعايتها، مجموعة من التحديات والصعوبات التي تعترض طريق نموها وازدهارها، لعل الأهم من بينها هو الوصول إلى اتفاق عالمي علمي حول تعريفها الدقيق، ومفهومها المشترك.
فالبنك الدولي، على سبيل المثال لا الحصر يحاول، وكما تقول ورقة ناصر ومحسن المشتركة، في سياق محاولته الوصول إلى تعريف لتلك المؤسسات يميز بين أنواع ثلاثة منها، حيث يعتبر “المؤسسة المصغرة: هي التي يكون فيها أقل من 10 موظفين، وإجمالي أصولها أقل من 100.000 دولار أمريكي، و كذلك حجم المبيعات السنوية لا ينبغي أن يتعدى 100.000 دولار أمريكي. في حين يصنف المؤسسة الصغيرة على أنها تلك التي تضم أقل من 50 موظفاً، وكل من إجمالي أصولها وحجم المبيعات السنوية لا يتعدى 3 ملايين دولار أمريكي. أما المؤسسة المتوسطة فهي التي لا يتجاوز عدد موظفيها 300 موظف، أما كل من أصولها وحجم مبيعاتها السنوية فلا يفوق 15 مليون دولار أمريكي”. يختلف هذا التعريف عن ذلك الذي تأخذ بها السوق الأوروبية المشتركة التي تعتبر مؤسسة صغيرة “كل منشأة تمارس نشاط اقتصادياً ويقل عدد العاملين بها عن 100عامل” .
وتحاول بعض الدولة العربية، مثل مملكة البحرين أن تقترب في تصنيفها من التعريفات الدولية، فنجدها، كما يقول عن ذلك موقع وزارة الصناعة والتجارة البحرينية، تضعها في فئات ثلاث بناء على: عدد العمالة، ورأس المال المستثمر، ومعدل دوران رأس المال السنوي. فتعتبر المشاريع المتناهية الصغر تلك التي لا يتجاوز عدد العاملين فيها عشرة أشخاص، ورأس المال المستثمر نحو 50 ألف دولار أمريكي، ومعدل الدوران بحوالي ربع مليون دولار أمريكي. والصغيرة من 11 -50 عاملاً “باستثناء العقارات حتى 100 شخص” وبين 50 ألفاً إلى 1.3 مليون دولار أمريكي كرأسمال، وبين ربع مليون إلى مليون دولار أمريكي لمعدل الدوران. أما المتوسطة فهي تلك التي يعمل بها بين 51 إلى 250 “العقارات حتى 400” شخص، ويبلغ رأسمالها بين 1.3 مليون و3 و7 ملايين دولار، ومعدل الدوران بين 2.5 مليون و6.5 مليون دولار.
هناك بعض الاجتهادات النظرية التي تسعى لوضع معايير تصنف تلك المؤسسات في مجموعات مثل ما نجده في ورقة مشتركة أعدها، سمير سحنون و بونوة شعيب، تحت عنوان “المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومشاكل تمويلها في الجزائر”، تأخذ في عين الاعتبار، 2 - عند السعي للوصول إلى تعريف محدد، “1 - طبيعة الملكية، 4 - اختلاف الاستراتيجيات وطرق إدارة، 3 - البحث والتطوير، حجم الأسواق”.
ويعد دليل الاستخدام الذي أصدرته مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، من المراجع العربية، وربما الدولية، المميزة التي يمكن الاستعانة بها ليس من أجل الوصول إلى تعريف محدد لتلك المؤسسات فحسب، وإنما أيضاً لتحديد الطرق الأفضل لرعايتها، والأساليب المطلوب إتباعها لضمان استمراريتها ونموها، ومن ثم تعاظم مساهماتها في عضد الاقتصاد الوطني، وخصوصا في دول الاقتصادات الناشئة مثل الاقتصادات العربية.
هذا التفاوت في التعريفات والمقاييس، له ما يبرره، نظراً لحداثة الالتفاتة لهذه المؤسسات، ولعمرها القصير نسبياً في تزايد حضورها في الاقتصادات العالمية، مقارنة بتلك المؤسسات الكبيرة والعملاقة والعابرة للقارات، والتي كانت إلى فترة قربية الأكثر أهمية في تسيير دفة الاقتصاد على المستويين الدولي الشامل، والقطري الخاص، ومن ثم كانت تحظى بالاهتمام الأكبر من دوائر صنع القرار الاقتصادي في بلدانها. بل إنه مع تطور الاقتصاد العالمي، وبداية تحوله نحو الاقتصاد الرقمي أو المعرفي أو المشبك، ودخول تقنيات الاتصالات والمعلومات في صلب آلياته وحركة رساميله، ومساهمات العاملين فيه، بدأ البعض يضيف إلى تلك المقاييس، عدد الحواسيب الشخصية التي تستخدمها المؤسسة، ونسبة اعتمادها، من ناحية زمن الإنتاج على تلك التقنية في عمليات الإنتاج المختلفة.
ولعل أحد المؤشرات المهمة التي تدلل على تنامي أهمية تلك المؤسسات، التفات شركات البرمجيات العالمية، بما فيها تلك التي دأبت على حصر اهتمامها في تطوير حلول للشركات العملاقة مثل “ساب” “SAP” على تطوير نسخ من تلك البرمجيات كي تلبي احتياجات تلك المؤسسات، وتتناسب وإمكاناتها المالية المتواضعة، مقارنة بتلك الكبيرة.
وإن كانت هناك اختلافات بشأن تعريف تلك المؤسسات، فهناك شبه إجماع على أهمية الدور الذي باتت في الاقتصاد العربي، وخصوصاً الخليجي، حيث أصبح البعض يعتبرها “العمود الفقري في القطاع الصناعي لدول الخليج بين صناعات تحويلية وغذائية ومواد بناء”، في حين “يحتل قطاع الخدمات الحيز الأكبر لهذه المشاريع في دول مثل جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية