إن كنت تمشي في الولايات المتحدة الأمريكية وصادفت شخصاً “ملوناً” أي داكن البشرة ووصفته بـ«الأسود”، حينها ستكون عرضة للتوقيف والمساءلة القانونية بتهمة “العنصرية”. نفس الحال لو وجهت الكلام لشخص يحمل الجنسية الأمريكية ووصفته بأنه “مجنس” أو “غير أصلي” أو أي صفة تهدف إلى سلخه من هويته الأمريكية، فإنك ستكون عرضة للمساءلة القانونية والاتهام بالعنصرية. للولايات المتحدة تاريخها الحافل في محاربة العنصرية والتمييز، وطوال عقود من المعاناة في هذا الجانب جراء ممارسات تمييزية وعنصرية صارخة وقف القانون الأمريكي في وجه من يقوم بهذه الممارسات حتى غدا المجتمع الأمريكي من أكثر المجتمعات التي تنبذ هذه الظاهرة وتعمل بقوة لاحتضان جميع الأعراق والأجناس التي تنتمي لهذا البلد بناء على ما تقوله الأوراق الرسمية. تخيلوا الآن بأن الرئيس باراك حسين أوباما صاحب البشرة السوداء، وهو الرئيس “الملون” الأول للولايات المتحدة، تخيلوا لو أن أحداً وقف ووصفه بأنه “مجنس” رغم إنه مولود في الولايات المتحدة الأمريكية لكن بالاستناد على عرقه وأصوله الكينية التي تمت لوالده، تخيلوا لو أن أحدهم وقف وقال له أنت لست “أمريكياً أصلياً” ماذا سيحدث بناء على ما يفرضه القانون؟! لسنا بصدد الإساءة لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية على الإطلاق، لكننا نريد إيصال نقطة إلى الأمريكان يستوعبونها إن جاءت وفق منظورهم ورؤيتهم لمثل هذه الأمور. الولايات المتحدة في مواقف عديدة خلال العام الماضي وحتى الآن لم تتعامل مع القضية البحرينية بإنصاف وعدالة، هي تظن بأنها تمسك العصا من المنتصف، وأنها تتحدث من منطلق صحيح حينما تتحدث عن الديمقراطية وحرية التعبير وغيرها من أمور هي ممارسات أصلاً موجودة في البحرين ومكفولة دستورياً، لكن الحقيقة أنها خلاف ذلك، تغمض عينيها عن أمور واضحة وصريحة لو وصلت كمعلومات “غير مشوهة” للداخل الأمريكي لكانت هناك ردات فعل على المستوى الشعبي الأمريكي. في بلد ينبذ العنصرية والطائفية والتمييز، نستغرب أن يخرج مسؤولوه علينا ليدافعوا عن عناصر “أوغلت” في ممارسة العنصرية والطائفية والتمييز بشكل صريح وبشع. السفير الأمريكي في البحرين يعرف تماماً ما نقول، يعرف تماماً بأن الحراك السياسي الموجود اليوم في البحرين مبني على أساس الفصل العرقي والاختلاف المذهبي، يعرف تماماً بأن هناك جهات سياسية تتحكم في المزاج العام لطائفة معينة حينما نصبت نفسها المتحدثة عنها رسمياً، وبسبب ذلك أحدثت شرخاً طائفياً مجتمعياً في البحرين، وهي ممارسة يستحيل أن نراها في الولايات المتحدة نفسها أو بريطانيا أو غيرهما من الدول التي تجرم العنصرية والتمييز العرقي. يعرف تماماً السفير الأمريكي ومن فوقه الإدارة الأمريكية التي نحن متأكدون بأنها قرأت تقرير اللجنة الدولية لتقصي الحقائق برئاسة شريف بسيوني بعناية، يعرفون بأن الأطياف السياسية الانقلابية التي يدعمها السفير الأمريكي هي من ركزت على عنصر الفصل المذهبي للبحرينيين، وبأنها هي من تسببت بالفرقة بين السنة والشيعة في البحرين. هذا في جانب واحد، أما الجانب الأخطر الذي تم توثيقه أيضاً في التقرير فإنه يتحدث عن الممارسات العنصرية التمييزية التي حصلت خلال فترة احتلال الدوار واحتلال مستشفى السلمانية، إذ في تلك الفترة تم التعامل مع المواطنين خاصة المتحصلين على الجنسية البحرينية على اعتبار كونهم “مجنسين” لا حاملين للجنسية البحرينية، منتقصين من حقهم في المواطنة. لذلك كان واضحاً جداً من المشاهدات التي سجلت في عملية احتلال السلمانية مسألة اقتياد آسيويين بعضهم يحملون الجنسية البحرينية إلى داخل المستشفى، حيث تم أسرهم وتعذيبهم والتعرض لهم. حتى في العمليات الإرهابية التي تحصل يومياً، يتم استهداف رجال الأمن خاصة من هم ليسوا من أصول بحرينية وتحصلوا على الجنسية، باعتبار أن الأطياف السياسية الانقلابية رسخت في أذهان أتباعها الذين ينفذون هذه العمليات قناعة راسخة بأن هؤلاء “ليسوا بحرينيين” بالتالي استهدافهم مقبول، بل قتلهم أعظم أنواع الجهاد. ليس هذا فحسب، بل يتذكر السفير الأمريكي ويعرف موظفو سفارته في البحرين كيف تتعامل بعض العناصر الإعلامية مع المتحصلين على الجنسية البحرينية بحكم القانون، يعرفون تماماً من ابتدع تصنيف “المواطن الأصلي” وخلافه “المواطن غير الأصلي”، وكيف أن لهذا التصنيف تأثيره المقزز في المجتمع. في الغرب من يتحصل على الجنسية وفق القانون، ومن يمتلك الأوراق الثبوتية التي تثبت بأنه مواطن ينتمي لهذا البلد أو ذاك يعتبر التعرض له لفظياً وفعلياً من منطلق أنه من أصول خارجية مسألة مجرمة قانوناً وتستدعي المساءلة. الآن ليخبر السفير الأمريكي رئيسه الأمريكي المنحدر من أصول غير أمريكية بأن البحرين لا تتضمن هذه الممارسات العنصرية الطائفية التمييزية، ليخبره بأنه ليس من صفوف أطياف المعارضة التي يحتضنها هذا السفير من يصف عشرات من مواطني هذا الوطن بأنهم “مجنسون” وبأنهم “غير أصليين”، ليخبره بأن هذه المعارضة كان لها ممثلون في المجلس التشريعي يمثلون أكبر كتلة فيه ورغم ذلك لم ينجحوا في دحض الإحصائيات التي ساقتها الدولة بشأن عملية التجنيس وكيف أنها تتم في إطار قانوني. وهنا لا يهمنا الصراخ الذي يطلق بقدر ما يهمنا نجاحهم في إثبات حقيقة الادعاءات التي يطلقونها، وعليه فإن مسألة إهانة أي مواطن يحمل الجنسية مسألة مرفوضة تماماً. هذه حقيقة حاصلة في البحرين، هناك من يصنف الناس على هواه، بل من يختلف معه يسلخه من انتمائه البحريني، أكثر من نصف الشعب أصبح اليوم مجنساً فقط لأن أناساً هم أصلاً لو نبش في تاريخهم سيتم إثبات أنهم ليسوا “أصليين” قالوا ذلك. إن كان السفير الأمريكي يوافق على هذا التصنيف العنصري المقزز، فهل يوافق أن يتم تطبيق نفس المعيار على الرئيس الأمريكي كونه ليس من أصول أمريكية؟! فقط أنقل الصورة الحقيقية ويكفي تكييف الوقائع بحسب ما تفرضه أجندتكم، ويكفي هذا الظلم والإجحاف بحق البحرين.