انطلقت في القاهرة أعمال اللجنة الرباعية لحل الأزمة السورية، التي تشكلت بموجب المبادرة التي أطلقها الرئيس المصري محمد مرسي أثناء مشاركته في قمة عدم الانحياز الأخيرة التي عقدت في طهران، وتضم كلاً من مصر وتركيا والسعودية وإيران. وأوضح بيان أصدرته، في وقت سابق، وزارة الخارجية المصرية أن “هذا الاجتماع يأتي تفعيلا للمبادرة الرباعية التي أطلقها الرئيس محمد مرسي والهادفة لمواجهة تدهور الأوضاع في سوريا ووضع حد لمعاناة الشعب السوري، وإيقاف نزيف الدم من خلال إطلاق عملية سياسية تهدف لتحقيق تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة والانتقال لمجتمع ديمقراطي تعددي”.
وليست هذه المبادرة الوحيدة التي تدعي “العمل من أجل الوصول إلى حل للأزمة السورية”، فإلى جانب المبادرة الدولية التي يقوم بها الممثل الدولي الجزائري الأصل الأخضر الإبراهيمي، هناك أيضاً المشروع الروسي الذي تبناه نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، الذي أعلن مؤخراً عن اقتراح بلاده على “شركائها الغربيين تنظيم مؤتمر يضم كل أطراف النزاع في سوريا”، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية، عن حديث خص به بوغدانوف صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية، محذراً من أنه “بالنظر إلى انقسام المعارضة والأسلحة التي تصل إلى المتمردين في سوريا فإن خطر صوملة سوريا موجود في حال سقط النظام في شكل عنيف غداً”، مضيفاً “ينبغي القيام بكل شيء لتفادي هذا التفتت لدولة مركزية وانفجارها بين مجموعات”.
هناك أيضاً، المبادرة الإيرانية المستقلة عن اللجنة الرباعية التي كشف عنها رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي، التي تقوم، كما يقول بروجردي على “عقد اجتماع برلماني عالمي للدول التي تؤمن بالحل السياسي للأزمة السورية”. ما يدعو إلى الاستغراب أن طهران لم تتوقف، حتى بعد انتسابها للجنة الرباعية، عن الترويج لتلك المبادرة، فهي لا تكف، حتى يومنا هذا، عن التأكيد على “الصدى الطيب الذي وجدته لدى الأطراف المتنازعة المحلية منها والإقليمية”.
بعيداً عن النوايا الحسنة، وتجاوزاً لكل الدوافع الذاتية التي يمكن أن تحث أعضائها، على بذل أقصى الجهود لحل المشكلة، لا نتوقع لتلك اللجنة أي حظ من النجاح، وذلك لأسباب كثيرة من بين الأهم فيها:
1- التباين الواضح، غير القابل للمساومة بين أعضاء اللجنة أنفسهم، والبعيد عن الأزمة السورية ذاتها. تكفي الإشارة إلى الخلاف الإيراني العربي المتأجج في منطقة الخليج، والذي تقود طرفه العربي الرياض، والبعيد في أسبابه عن الأزمة السورية، فهو الآخر بحاجة إلى حل قبل أن يجلس الطرفان للتباحث بشأن الأزمة السورية، التي ستفقد أية مساحات، ولو صغيرة، من التفاهم بين تلك الدولتين، يمكن الانطلاق منها، قبل توصلهما إلى حل للموضوعات الشائكة المختلف عليها بينهما. هناك أيضاً التنافس الإيراني التركي حول الحصص المتوقعة من كعكة الشرق الأوسط، والذي تغذيه إلى حد كبير النهايات التي سيؤول لها أي حل مقترح ناجح للأزمة السورية. وبالتالي فهناك شك في احتمال توصل الأطراف الأربعة المتنافرة إلى نظرة مشتركة تخرج سوريا من أزمتها، قبل الاتفاق على الصورة الأكبر، والتي تضع مجموعة من العقبات بين طرفين أساسيين من أعضاء اللجنة، هما تركيا وإيران، من الصعوبة بمكان أن يتجاوزاها.
2- موقف صاحب الأزمة، وهو سوريا، من أعضاء اللجنة، فباستثناء إيران، هناك عداء مستحكم بين دمشق والعواصم الثلاث الأخرى. فمنذ تصاعد الأزمة، وعلى وجه الخصوص، مع بداية عام 2012، لم تتوقف سوريا عن توجيه الاتهامات لتلك العواصم، محملة إياها مسؤولية دعم المعارضة، وتزويدها بالسلاح والأموال، التي مكنتها من الاستمرار وتصعيد عملياتها العسكرية ضد النظام السوري. وقد واصلت العلاقات المصرية السورية تدهورها منذ الخطاب الذي ألقاه مرسي أمام قمة “عدم الانحياز” في طهران، وتصريحاته التي تلت ذلك، ومن ثم فهناك أمل ضعيف جداً في أن تقبل دمشق بأي مقترح تخرج به اللجنة، في حال توصلها إلى حل، طالما استمرت التوترات بينها وبين العواصم الثلاث تلك، وعلى وجه الخصوص، صاحبة المبادرة التي هي مصر.
3- عدم نضج الظروف السورية، ومن ثم تهيؤها الذاتي لقبول أية مبادرة، بغض النظر عن مكوناتها أو المقترحات التي تحملها، إذ لايزال كل طرف من أطراف الصراع، وعلى وجه الخصوص، الطرف الرئيس فيه، وهو النظام القائم، غير مقتنع بوصول موازين القوى، ومن ثم الظروف القائمة، إلى النقطة التي تتطلب أو تستدعي تدخل خارجي. يؤكد ذلك الفشل الذريع الذي لاقته اللجنة الدولية التي ترأسها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، والتي خلفه فيها، بعد إعلان فشله، الدبلوماسي العربي المخضرم الأخضر الإبراهيمي، التي توصف مهمته بأنها مستحيلة. رغم أن حظ هذه اللجنة كان أفضل بكثير، نظراً لظروف تشكلها، والقوى التي تقف وراءها، ورغم ذلك لم يحالفها الحظ. يؤخذ في الحسبان عند الحديث عن عدم نضج الظروف موقف القوى المعارضة، فهي الأخرى، تماماً كما هو الحال مع نظام بشار الأسد، ليست مقتنعة بحاجتها إلى لجنة مبادرة، رغم ادعائها خلاف ذلك، لكن سلوكها على أرض الصراع يكشف تلك القناعة.
4- تدخل العوامل الإقليمية، إذ يمكن أن نشبه وضع سوريا اليوم، كما يصفه عبدالمحسن يوسف جمال، في مقالته المعنونة “خارطة جديدة لشرق أوسط قديم”، “بيضة القبان لمعادلة الشرق الأوسط الجديد، وأصبح الصراع عليها بين محورين متنافسين، وأصبح وقوده هم العرب”. ومن ثم فمن الصعوبة بمكان التوصل إلى حل للأزمة السورية دون أن يكون ذلك مقدمة لإعادة خارطة الشرق الأوسط الجديدة. وإذا ما قبلنا بذلك، يتضاءل دور اللجنة، وتفقد مقومات تأثيرها نظراً لدخول لاعبين كبار أكثر احترافية ومهارة، وإمكانات. وهذا أمر ليس بجديد على الأزمة السورية التي تنازعها منذ اندلاعها محوران دوليان أساسيان، تقف الصين وروسيا، ومن خلفهما حلفاؤهما الإقليميون في أحدهما، والغرب بقيادة الولايات المتحدة، ومن ورائها حلفاؤها المحليون في الطرف الثاني منهما. بالتالي ما لم يتم اتفاق دولي - إقليمي على ملفات أخرى أكثر سخونة وإلحاحاً، غير الملف السوري، مثل “المفاعل النووي الإيراني”، و«النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي”، يصعب الحديث عن حل للأزمة السورية. وقد ألمح الإبراهيمي، عقب استقبال الرئيس المصري محمد مرسي له بالقاهرة، إلى ذلك حين قال “إن هذا الوضع ينبغي ألا يستمر طويلاً في سوريا، محذراً من خطورة استمرارها وتأثيرها سلبياً على دول المنطقة بشكل عام”.
أول ما يتبادر إلى الذهن عندما يسمع المرء عن المبادرة المصرية، هو “اللجنة الرباعية الدولية”، التي تشكلت من أجل القضية الفلسطينية، والتي تعرف أحياناً باسم “رباعية مدريد”، والتي واجهت، بإجماع “منذ تشكيلها عقبات كبيرة، أهمها أنها حاولت التوفيق بين المواقف المتباينة نسبياً لمكوناتها “وعلى الأخص الولايات المتحدة وروسيا” من “اتفاق أوسلو” وتطبيقاته على الأرض، والتي فشلت في إنجاز تسوية سياسية منذ 1993”. فمن الواضح أن هذه اللجنة الرباعية لحل المشكلة السورية، هي الأخرى، بفضل التباينات بين أعضائها، ينتظرها نفس المصير، إن لم يكن أسوأ.