رغم تأكيدات الشارع البحريني على أهمية استتباب الأمن والأمان والاستقرار في ربوع الوطن، وجعله في أول السلم من حيث الأولويات في برنامج الحكومة؛ إلا أن ذلك لا يعني نسيان هموم المواطنين الأخرى التي من واجب الدولة أن تهتم بها وتعطيها قدراً أكبر من الاهتمام في برامجها ومشروعاتها. إذ لا ينبغي أن تشغلهم هذه القضية المهمة عن القضايا الأخرى التي تؤثر في حياتهم اليومية، وسعيهم المستمر في توفير حاجاتهم الأساسية التي لا تقل أهمية عن حاجتهم للأمن المجتمعي.
فإذا كانت مسألة الأمن المجتمعي تمثل أولوية بالنسبة للدولة، فهي أيضاً تُعد هاجساً لدى المواطنين، لكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن تأتي قضية مهمة مثل الأمن الغذائي في مرتبة متأخرة من اهتمامها؛ لأنها في الواقع لا تقل أهمية عنها؛ بل إنها تأتي في مرتبة متقدمة من حيث حاجات الفرد كما يشير بذلك علماء النفس، ومن أشهر من تحدث حول الموضوع ابراهام ماسلو الذي وضع تصنيفاً للحاجات، وهو ما يعرف في أدبيات علم النفس بتصنيف “ماسلو للحاجات” الذي جعل الحاجات الفسيولوجية ومنها الغذاء في مرتبة تسبق حاجات الأمن؛ بمعنى أن حاجة الفرد إلى الغذاء أهم من حاجته إلى الأمن، وهذا ما يدعو إلى تسليط الضوء على هذه الأزمة التي بدأنا نشعر بأن بوادرها بدأت تظهر في الأفق وتأخذ حيزاً في المشهد المحلي، وباتت حديث الناس والمسؤولين على حد سواء.
إن هذه الأزمة التي بدأت تطل برأسها على المشهد المحلي من خلال نقص اللحوم وشحها ومن ثم اختفائها من السوق المحلي في الأسابيع القليلة الماضية، ثم ظهور مؤشرات في الأفق تنذر بوجود أزمة في الدجاج والبيض في السوق؛ منها التصاعد الكبير في أسعارها، حيث سجلت هاتان المادتان الغذائيتان الحيويتان ارتفاعاً ملحوظاً في أسعارهما بصورة جعلت المواطن من ذوي الدخل المحدود يشعر بصعوبة كبيرة في مواجهة هذه الزيادات التي فاقت إمكاناته المادية.
كما إن المستهلك الذي لم يخرج بعد من دوامة تذبذب أسعار الخضروات والفواكه في السوق المحلي بدأ يشعر بالقلق إزاء عدم توفر حاجاته الغذائية بالسعر المناسب، وإن آماله بتوفر هذه المواد وتحسن أسعارها بدأت تضيع، خصوصاً في ضوء قراءته للمعطيات المستجدة في الدول الخليجية المصدرة لهذه المواد، والتي يعتمد عليها السوق البحريني اعتماداً كبيراً، حيث تشير بعض المعطيات إلى بوادر أزمة في إنتاج الدجاج والبيض بعد أن أعلن أصحاب المزارع هناك أنهم يعانون من ارتفاع أسعار الأعلاف والمتمثلة في فول الصويا والذرة الصفراء في الدول المنتجة بسبب الجفاف الذي اجتاح هذه الدول، الأمر الذي انعكس على زيادة كلفة الإنتاج، وبالتالي سيسبب لهم خسارة كبيرة إذا ما ظلت الأسعار على ما هي عليه الآن، ومن دون تدخل الدول لإنقاذهم ودعمهم للاستمرار في الإنتاج وهو ما دفعهم إلى القول إن بقاء الوضع على ما هو عليه سيفضي في النهاية إلى تفاقم الأزمة التي باتت تهدد وجود الشركات المنتجة، خصوصاً في ظل تصريحات المنتجين التي تشير إلى أنهم بين خيارين؛ إما الاستمرار في الإنتاج من خلال الدعم الحكومي أو إغلاق شركاتهم، ومتى رسا الأمر على الخيار الثاني فإن ذلك سيؤثر بشكل سلبي على المستهلك البحريني؛ لأن السوق البحريني يعتمد بشكل كبير على المنتج الخليجي.
إذاً نحن أمام إشكالية أزلية تتحمل وزرها وزارة التجارة والصناعة، خصوصاً أنها ليست وليدة اليوم؛ إنما نعاني منها منذ فترة ليست بالقصيرة. فمشكلتنا يمكن تلخيصها في عدة نقاط؛ أولها أننا نستهلك أكثر مما ننتج وليس العكس هو الصحيح، إذ نعتمد على الاستيراد في تغطية حاجاتنا من الدواجن، وثانيها أن وزارة التجارة وهي المعنية بحل هذه الإشكالية لم تتحرك لوضع حلول دائمة للمشكلة؛ بل إنها غالباً ما تضع حلولاً مؤقتة لها وتتعامل مع القضية حسب الظروف وليس وفقاً لاستراتيجية واضحة المعالم تأخذ في اعتبارها التغير الكبير الذي طرأ على معدلات النمو السكاني في البحرين، والتي تتطلب وضع مشروعات الأمن الغذائي على رأس أولوياتها. وثالثة الأثافي أن المسؤولين في هذه الوزارة تعودوا على التصريحات التي يوعدون فيها الناس ويبشرونهم أن المشكلة في طريقها إلى الحل بهدف طمأنتهم، لكن على أرض الواقع وفي الأسواق تحديداً تذهب هذه الوعود مع أدراج الرياح، حيث لا يجد المستهلك ما يسد احتياجاته من اللحوم والبيض والدجاج، وإذا وجدها فإن أسعارها نار تحرق ما تبقّى في جيبه.
هنا علينا فقط تذكير وزارة التجارة والصناعة بالسؤال التالي؛ أين مشروعات الأمن الغذائي التي صرح بها المسؤولون عندما واجهتنا مثل هذه المشكلة أثناء أزمة “أنفلونزا الطيور”؟
من جهة أخرى يتساءل المواطنون عن الأسباب التي تحول دون إنشاء شركات جديدة في مجال الدواجن يمكن أن تقابل الطلب المتزايد على الدجاج والبيض، وتسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي، الأمر الذي لا يجعلهم تحت رحمة ظروف الدول المصدرة للدواجن.
إن مفتاح الحل بيد وزارة التجارة والصناعة؛ إذ عليها أن تقلب المعادلة السابقة وهي أن ننتج أكثر مما نستهلك، وهذا لن يكون إلا عن طريق تهيئة المناخ المناسب الذي يستقطب المستثمرين المحليين والخليجيين وغيرهم بقصد تشجيعهم في الدخول في مشروعات الأمن الغذائي من خلال إنشاء شركات جديدة للدواجن، إذ ليس من المعقول والمقبول وفي ظل الزيادة الكبيرة في عدد سكان البحرين أن تكون هناك شركة واحدة أو شركتان تقومان بتوفير كل احتياجات المستهلكين من الدجاج والبيض.