تقترب منا ذكرى أحداث سبتمبر 2001 التي ضربت مبنيي التجارة العالميين، ومبنى وزارة الدفاع الأمريكي “البنتاغون” بعد أن بدأت تأخذ أكثر من صفة، واكتسبت منذ أن شاهدها العالم على شاشات التلفاز أكثر من نعت. فالبعض كما جاء في الرواية الأمريكية الرسمية وضعها في خانة “الأعمال الإرهابية التي تقف وراءها الجماعات الإسلامية التي باتت تشكل الخطر الرئيس على الاستقرار والأمن العالميين، وفي المقدمة منهما الأمن الأمريكي”، في حين اعتبرها البعض الآخر، كما جاء في كثير من الدراسات التي صدرت في أعقاب تلك الأحداث على أنها “مؤامرة على الشعب الأمريكي”، وهي من صنع أيدي بعض الأجهزة الاستخباراتية في المؤسسة الأمريكية الحاكمة، التي كانت تبحث عن مبرر يمكنها من إحكام قبضتها على الأوضاع الداخلية الأمريكية، التي باتت تعاني من بعض التفسخ الذي يهدد في جوهره أركان الحكم الأمريكي.
وبينما يستقوي الطرح الأول بشواهد ملموسة، ويستند إلى تصريحات زعيم تنظيم “القاعدة” الذي اغتالته أجهزة المخابرات الأمريكية أسامة بن لادن، في عملية هي الأخرى ما تزال محفوفة بالكثير من الغموض، وتثار حولها العديد من التساؤلات، لا تقف عند شرعيتها، بل تصل إلى تفاصيل أحداثها كما روتها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يستند الطرح الثاني هو الآخر، إلى الكثير من الشواهد العلمية، ويستعين ببعض الحقائق المتعلقة بفن الطيران، ودرجة انصهار العوارض الحديدية، التي تثبت أن التفجيرات التي هوت بالبرجين، إنما انطلقت من داخلهما وليس بفعل اصطدام الطائرتين بهما فقط.
ما هو أهم من كل بذلك بكثير أن الإدارة الأمريكية، سواء قبلنا بإطروحاتها، ووافقناها على أن الأحداث إنما هي عمل إرهابي محض، أو رفضنا ذلك، وتبنينا “نظرية المؤامرة على الشعب الأمريكي”، استطاعت أن تركب صهوة الحدث، وتجيره لصالح سياساتها الداخلية، واستراتيجياتها العالمية الخارجية. وقبل أن ننطلق لنؤكد صحة ما نقول، لابد لنا من التوقف عند قضية مهمة، هي أنه بغض النظر عن من هي الجهة التي قامت بالتخطيط لتلك العمليات، أو تلك التي وافقت على تنفيذها يبقى العمل، مهما كانت الأهداف التي تقف وراءه، عملاً إرهابياً لا إنسانيا، لا يمكن تبريره بأيِّ شكل، ومن الخطأ التعاطف معه، مهما كانت الجرائم التي ما تزال الإدارة الأمريكية تمارسها ضد شعوب كثيرة في العالم.
أول خطوة قامت بها واشنطن لتجيير تلك الأحداث ونتائجها لصالحها، هي خلق عدو عالمي في ذهن المواطن الأمريكي، يهدد شعب الولايات المتحدة، وهو أمر كانت في أمس الحاجة له بعد تهاوي الكتلة السوفيتية، واستفراد الولايات المتحدة بصفة القوة العظمى، غير المنافسة من أية قوة عالمية أخرى. تفرض ضرورة خلق مثل هذا العدو، رغبة الولايات المتحدة في الاستمرار في تطوير صناعتها الحربية، ورصد الأموال، المستحصلة من ضرائب باهظة لم يعد يتحملها المواطن الأمريكي، وباتت تثقل كاهله. قد يبدو ذلك السبب باهتاً في نظر البعض منا، لكنه كان حينها مهماً، والاقتصاد الأمريكي يقترب من أزمة اقتصادية بنيوية جسدت نفسها بعد أقل من عام من تلك الأحداث. كان مطلوباً حينها، كي تتمكن الإدارة الأمريكية من إسكات “أنات” احتكارات صناعة السلاح المهددة بركود أسواقها، إثر انتهاء مرحلة الحرب الباردة، ومنعها من اللجوء إلى أية مواجهة داخلية انتحارية تمس صلب الاقتصاد الأمريكي، وتضاعف من أزماته، أن تفوز ببعض الغنائم التي تؤمن صمتها فترة زمنية تتمكن خلالها الإدارة الأمريكية من استعادة أنفاسها، للاستعداد لمعالجة الأزمة الاقتصادية المحدقة بها. وهناك بعض الوثائق التي تتحدث عن استلام إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في سبتمبر 2000 “تقرير أعدته مجموعة فكرية تعمل في مشروع القرن الأمريكي الجديد، كان أبرز المساهمين بها هم ديك تشيني، ودونالد رامسفيلد، وجيب بوش، وباول ولفووتز، سمي هذا التقرير إعادة بناء دفاعات أمريكا، ذكر به أن عملية التغيير المطلوبة ستكون بطيئة جداً بغياب أحداث كارثية جوهرية بحجم كارثة بيرل هاربر”. في السياق ذاته، وفي نطاق التعاطي مع احتكارات الصناعة الأمريكية، لكنها هذه المرة كانت تخاطب الكارتيلات النفطية، عملت أمريكا، مستندة إلى محرك إعلامي ضخم، وتحت شعارات مختلفة تتمحور جميعها حول “تجفيف منابع الإرهاب”، على تبرير عملياتها العسكرية لإحكام قبضتها على “منابع إنتاج النفط وخطوط إمداداته”، فبادرت أولاً إلى تعزيز قواتها في أفغانستان، لكونها الخاصرة اللينة التي يمكن النفاذ منها لإحكام القبضة الأمريكية على تخوم المناطق النفطية. ولم تكتف بذلك، بل أتبعته بغزو العراق، تحت مظلة محاربة الإرهاب، لكنه هذه المرة كان إرهاباً من نوع مختلف عن الانتماء الإسلامي. استفادت إدارة بوش من المخاوف التي بثتها في نفوس الشعب الأمريكي كي تخلط الأمور، وتشوه الصورة، فتبيح لنفسها، تحت شعار حماية “الحضارة الأمريكية” من عدوان “الحضارات الغازية”، أن تبرر عمليات عدوانية، من بينها غزو العراق، الذي بعيداً عن عنجهية صدام، ونظامه الدموي، وسياساته القمعية ضد شعبه، لكن كل ذلك لم يكن يبيح لأمريكا أن تغزو العراق، ولا يسمح لها بأن تستمر حتى الآن في التلاعب بمصير شعبه ومقدراته.
بعد أن أمنت واشنطن لنفسها حق “العربدة الدولية”، التفتت إلى داخل المناطق التي غزتها والدول المحيطة بها، فراحت تغذي نزعات الصراعات الداخلية، على حساب التصدي للعدو الخارجي، والخطر الحقيقي الذي يهدد تلك المناطق، مستفيدة في ذلك من الأوضاع المتردية فيها. وكانت المنطقة العربية هي الأرض الأكثر خصوبة من غيرها. ولذلك لا ينبغي إبعاد الأصابع الأمريكية عما جرى من أحداث في المنطقة العربية خلال الفترة التي تلت مباشرة أحداث 11 / 09 / 2001 . ويمكننا أن نستشهد بالسودان، الذي تمزقت أشلاؤه إلى دولتين لم تكف عن الصراع، رغم ترويج الولايات المتحدة، التي لم تتردد في ضرب السودان عسكرياً، تحت مبررات محاربة الإرهاب لمقولة أثبتت فشلها، تدعي أن استقلال الجنوب كفيل بوضع حد لمشكلات السودان من جهة، وإخماد صوت الإرهاب فيه، من جهة ثانية.
ذيول سبتمبر 2011 ما تزال متحكمة في سياسات واشنطن، ففي مايو 2010 قررت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما “التخلي عن مصطلح الحرب على الإرهاب والتركيز على ما يوصف بـالإرهاب الداخلي، وذلك في استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي”. ما ميّز ذلك التخلي عن ما سبقه، وهو أمر يدعو للضحك، هو أن الولايات المتحدة، كما يروج أوباما “ليست في حالة حرب عالمية على “الإرهاب” أو على “الإسلام”، بل هي حرب على شبكة محددة هي تنظيم القاعدة والإرهابيين المرتبطين بها”، لكن ادعاء ذلك التغيير لم يستمر طويلاً فبعد ما يقارب من عام، وتحديداً في 09 / 09 / 2011 تناقلت وكالات الأنباء العالمية عن مسؤولين أمريكيين قولهم “إن لديهم معلومات محددة وذات مصداقية وإنما غير مؤكدة عن وجود تهديد محتمل ضد الولايات المتحدة في الذكرى العاشرة لاعتداءات11سبتمبر2001”، لكن شبكة “سي إن إن” الأمريكية نقلت حينها عن مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية قوله “تلقينا معلومات ذات مصداقية عن مخطط محتمل موجه ضد أمريكا، ويبدو أنه يتركز حول نيويورك والعاصمة”.
مسلسل 11 / 09 /2001 الأمريكي مستمر، وهو أطول من مسلسل أمريكي آخر هو “دالاس”، لكن الأخير كان مملاً فقط، أما الأول فهو باهظ الثمن أيضاً.