التقيت في أحد الأيام بشاب صغير متخرج لتوه من جامعة مجهولة ( منذ سنتين فقط) ولم يتجاوز من العمر 24 سنة، فقدم لي نفسه بأنه خبير في كذا.. وسألته وقتها باستغراب شديد: ومتى اكتسبت الخبرة يا بني حتى تصبح خبيراً؟ فرد بلا مبالاة: أي خبرة أنا أقول لك خبير وأنت تقول لي خبرة!!
^^
لشد ما يدهشني شخصياً أن اقرأ وأرى بعيني أن شاباً في مقتبل العمر، بل لا يزيد عمره عن 24 سنة أصبح “خبيراً أو حتى مستشاراً” (هكذا).. اللهم لا اعتراض أن يكون الشباب في أرقي المناصب، بل إن العالم يتجه إلى تجديد دماء الدوائر الحكومية والقطاعات الاقتصادية والعلمية في كل مكان، حيث يلعب الشباب دوراً بارزاً باحتلالهم لمختلف المواقع؛ الهندسة - الطب - القانون - الفنون - والآداب - التدريس - الاقتصاد..، ولكن خبراء في سن العشرين.. هذه “شوية صعبة” لسبب بسيط؛ وهو أن الخبير كمصطلح وكمفهوم مستقر في العلوم الإدارية في العالم كله، وفي الواقع الممارس في مشارق الأرض ومغاربها يكون مرتبطاً بالضرورة بالخبرة الزمنية والنوعية معاً، وبالتالي يكون الخبير ممتلكاً -إضافة إلى المؤهلات العلمية المناسبة- الخبرة الكافية التي تؤهله ليقدم الاستشارات للآخرين، بل لعل الخبرة هنا تكون أعلى مقاماً ومكانة من المؤهلات نفسها، لذلك لا يعقل أن يكون ممتلكاً للخبرة الكافية في مجال اختصاصه من كان سنه 24 سنة مثلاً، وهو متخرج لتوه من الجامعة!! فكيف “يشور” على الآخرين من كان في حاجة إلى “يشار” عليه، ومن المعروف أن الوظيفة الوحيدة التي قد تكون الخبرة فيها لصيقة بمسماها هي وظيفة الخبير..
لله في خلقه شؤون.
^ سؤال وهمسة..
- السؤال: إذا لم يكن التسامح هو المضاد الحيوي للتعصب فما هو البديل؟
للجواب عن هذا السؤال يستلزم البحث عن جذور التعصب تاريخياً، فقد كان العقل اليوناني حراً في التفكير في الكون على نحو ما يريد، وكان حراً في البحث عن الحقيقة من غير معونة من سلطة خارجية، ومع ذلك فقد أحيل فيثاغوروس إلى المحكمة بسبب عبارته المشهورة: “الإنسان مقياس كل الأشياء”؛ بمعنى أن كل شيء نسبي، وبالتالي ليس ثمة حقيقة مطلقة، ومن ثم ينعدم القول بأن الحقيقة واحدة ونهائية.
- الهمسة: رائعٌ أن نسكن البيوت، أن تكون في البيوت نوافذ، ولكن ما فائدة أن تكون البيوت دون سكان، وألا تكون النوافذ منافذ على الحياة، وإذا كنا لا نفتحها أصلاً أو لا نعرف اتجاهها أو ما خلفها من صور. إن نفتح النوافذ، وفي الأبعاد أن نُرافق السحب، رائعٌ أن نبقى، رائعٌ لو نبقى كأبراج قديمة، لو نستريح، لو تتجمَّد، هذه الأنهار التي نراها وترانا فلا نراها ولا ترانا! مع الفصول يتناغم الشجر، يتلوَّن الحقل، تتلاحن الطير ونحن؟ بين الوجود واللا–وجود في الحناجر شعلة السؤال تقلقني، تحفر الأخاديد في الفكرة وفي اللحظة المنفلتة فلا أقبض عليها.