لم تكن دعوة الدولة الإيرانية للرئيس المصري محمد مرسي لحضور قمة حركة “عدم الانحياز” السادسة عشرة من أجل الحضور والالتقاء به فقط، بل كان هناك هدف سياسي واضح لدى الدولة الإيرانية، وهو الاستفادة من الموقع السياسي العربي المصري لتبييض السياسة الإيرانية، بعد أن يُسدل الستار على النظام السوري الحالي عن الساحة العربية، ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي السُفن الإيرانية، فالرئيس المصري الذي ألقى كلمته في القمة أكد على المسار القومي لنهج النظام المصري الجديد، ورفض أية محاولة لاختراق هذا النهج، واستبداله بنهج إقليمي آخر، فقد أكد الرئيس المصري في خطابه على قومية موقف النظام السياسي المصري وأعلن موقف مصر الثابت بجانب تحركات الشعب السوري الوطنية، ومؤيداً لمطالبه الوطنية في الحرية والسلام والديمقراطية، وواصفاً النظام السوري بـ “القمعي والفاقد للشرعية”، وهو أمرٌ استهجنته السياسة الإيرانية الداعمة للنظام السوري، فقامت فوراً وأثناء إلقاء الرئيس المصري لخطابه بتزوير بعض كلمات الخطاب بوضع كلمة “البحرين” بدلاً من “سوريا” وحذف مجموعة من العبارات والأسطر التي لا تتفق مع السياسة الإيرانية، وذلك في وقت ترجمة الخطاب من اللغة العربية إلى اللغة الفارسية وعلى قنواتها الرسمية، وهذا الفعل يُعتبر تزويراً في أوراق رسمية مع سبق الإصرار والترصد.
ماذا يعني هذا الإجراء الإيراني السيئ؟
- الشيء الأول الذي يعنيه هو أن إيران ما زالت مستمرة في نهجها العدواني تجاه مملكة البحرين وقيادتها وشعبها، وأنها تؤكد على عدم مصداقية تصريحات حكومتها ومسؤوليها بشأن “عدم دعمها لحركة الاحتجاجات في البحرين”، في الوقت الذي لا زالت تبرز لهذه الاحتجاجات مساحة واسعة في إعلامها العربي المسموم في الإذاعات الصوتية والفضائية والمقروءة.
- الشيء الثاني أن الدولة الإيرانية ما زالت مقيدة بمبدأ “التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى”، فتزييف كلمة سوريا وجعلها بحرين هدفها هو التأكيد على “الحق الإيراني” الواهم في التراب البحريني بعد أن فشلت كل محاولاتها في تصدير مبادئ ثورتها إلى البحرين والأقطار الخليجية والعربية. فالدولة الإيرانية ترفض أي قرار عربي أو أجنبي يخص إقليم “الأحواز” العربي الذي احتله في عام 1925 والجزر الإماراتية العربية الثلاث في عام 1971، وتعتبره تدخلاً في شؤونها الداخلية.
- الشيء الثالث هو رغبة الدولة الإيرانية في توتير العلاقات بين جمهورية مصر العربية ومملكة البحرين وشعبيهما، علماً بأن ما يربط بين القطرين العربيين علاقات سياسية وثقافية واقتصادية وطيدة منذُ أمدٍ طويل.
- الشيء الرابع من التعمد في التحريف يستهدف خداع الرأي العام الإيراني في إيران بأن ما حدث في الأقطار العربية “الربيع العربي” هو استلهام لمبادئ “الثورة الإيرانية” وهي سائرة ضمن دائرة أهداف ومبادئ النظام الإيراني.
- الشيء الخامس هو التأكيد على الرغبة الإيرانية في إحياء الحُلم الإمبراطوري القديم في الهيمنة على الخليج العربي تراباً ومياهاً، والاستفادة الاقتصادية من مخزون النفط الخليجي العربي، وضخه إلى دولاب الاقتصاد الإيراني. حيث تزعم إيران أن مياه الخليج العربي والأراضي المحيطة به هي “أملاك إيرانية”، وهي تعمل جاهدة على “تحريرها” واستعادتها إلى دولة الأم الإيرانية.
- الشيء السادس يؤكد على أن السلوك السياسي الإيراني لن يتغير فيما يخص علاقاتها مع الدول الأخرى، ويبدو أن السلوك الإيراني السيئ هو أسلوب إستراتيجي انتهجته الدولة الإيرانية منذُ عام 1979م في نهج علاقتها مع الدول الأخرى، وهي ليست على استعداد وليس لديها الرغبة في تغيير هذا السلوك، في مُجمل علاقاتها الإقليمية والدولية.
لقد كان لعقد قمة حركة “عدم الانحياز” في طهران فرصة لإيران لأن تصحح الكثير من مواقفها السياسية، وبدلاً من أن تكون هذه القمة أداة لكسر عزلتها الدولية، ولتنظيف مواقفها الإقليمية والدولية، وتحسين علاقاتها مع الدول الأخرى، فإنها وبهذا التزوير أكدت على “سلامة” نهجها الغير متوافق مع حُسن الجوار الجغرافي والأخوة الإسلامية والمبادئ العشرة لحركة “عدم الانحياز”، بل أنها أكدت على نهج عدم الانحياز لإيران