في عددها الصادر مطلع الأسبوع الجاري قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية، إن المترجمين الفوريين الإيرانيين إلى الفارسية، تصرفوا في ترجمتهم لكلمة الرئيس المصري، وأوضحت أنهم استبدلوا مفردة “سوريا” بمفردة “البحرين”، وأوردت هذا المقطع من الكلمة حيث جرى الاستبدال: “اليوم تقوم ثورة في سوريا هدفها محاربة نظام قمعي”.
والترجمة المحرفة استعملت على قناتين حكوميتين إيرانيتين وفي عدد من وسائل الإعلام المحلية.
وفي الحقيقة فإن الخطاب بأكمله، فيما يتعلق بالملف السوري تعرض للتحريف.
وهذه الحادثة لا يمكن عدها بأي حال من الأحوال من الأغلاط ممكنة الحدوث، في وسائل الإعلام، و«مؤسسة الإذاعة والتلفزيون” التي تتبعها القناتان، من الأجهزة الخاضعة مباشرة لإشراف المرشد علي خامنئي، ولا يمكن أن يحدث فيها حدث دون علمه وأمره، كما إن السياسة العدوانية الإيرانية تجاه البحرين، معروفة ومبينة وموثقة، كذلك موقفها من ثورة شعبنا العربي السوري، وكشفت رسالة الخارجية البحرينية الاحتجاجية على هذا التصرف الفهم التام، والانتباه الشديد لما يسوق في الإعلام الرسمي الإيراني حولها، وصلابتها في الإصرار على رفض أي تدخل في شأنها الداخلي وبأية طريقة.
والمثير في هذا التحريف الجائر، هو الجرأة التي جرى بها من على شاشات قنوات فضائية رسمية في مؤتمر عالمي، ومع رئيس بلد من مستوى مصر ومكانتها المعلومة، كدولة من الدول المؤسسة الأبرز، لحركة “عدم الانحياز” على الأقل، إن لم نذكر الاعتبارات الأخرى لمصر العربية، والأكثر إثارة في هذا صمت مصر، واكتفاؤها بنفي ورود اسم البحرين في الخطاب، في حين تفرض البروتوكولات الدولية في مواقف مماثلة، أن تحتج الدولة التي تعرضت كلمة رئيسها لهذا المستوى من التحريف، في أبسط ردود فعلها، إن لم تثر عاصفة دبلوماسية.
وأحسب أن مصر تجنبت تصرفاً بهذا الاتجاه، وانصرفت لتطويق ردود الفعل وحصرها في نطاق ضيق، بدلاً من استخدام دبلوماسية الصدام، في سلوك له أسبابه المتعلقة بالوضع الآني لمصر “الإخوان” داخليا ًوإقليمياً ودولياً، إنما لدي ملاحظة هنا، أرى ضرورة لفت الانتباه لها، هي ان هذه الجرأة على رئيس مصر، جرأة على مكانة مصر واستهانة بها، ولا أدعو هنا إلى فتح جبهة مصرية مع إيران، ولا التصرف باندفاع عاطفي، إنما أرى أن التصرف إزاءها بمعالجتها في الأروقة الخلفية والغرف المغلقة، يكلف مصر من هيبتها أكثر مما يكسبها في مضمار العلاقات الدولية.
إلى ذلك فإن المجتمع الدولي كما أرى سيضع هذا التصرف في قيود الحسابات السلبية للنظام الإيراني، بما يعني أن أي رئيس دولة سيزور إيران في مقبل الأيام، سيأتي بمترجميه معه، تحوطاً، وتلك سبة في جبين طهران وخسارة كبرى لنظامها ورموزه لو كانوا يعقلون.
وبالنسبة لمتابعي ودارسي سلوكيات وسياسات النظام الإيراني الإعلامية، فإن هذا التوجه ليس غريباً على الإطلاق، وأن منهجية الدس والتلفيق تطبعه بطابعها بشكل عام، والمتابع لوسائل الإعلام الإيرانية يعي ذلك، وهي تنسب تلفيقاتها إلى وجهاء وشخصيات سياسية واجتماعية ودينية وثقافية وعشائرية عراقية، ما لبثت أن أنكرت ما نسب إليها، والأسماء معروفة فقد نشرتها ونشرت ما نسب إليها وردودها في مقالات عديده موثقة.