بالنسبة لكل هذا الذي يجري في سوريا وحولها يجب أن تتركز الأنظار الآن على نقطة تلاقي الحدود السورية - العراقية - التركية، إذْ أصبح الصدام الإقليمي، بعدما بادر نظام بشار الأسد الى الانسحاب من عدد من المدن الرئيسية في هذه المنطقة ذات الأغلبية الكردية مثل القامشلي والحسكة لحساب حزب العمال الكردستاني التركي، وارداً في أي لحظة في هذه المناطق الحدودية التي غدت ملتهبة وغدت ساحة تحشيد واستعدادات عسكرية لمواجهة قريبة إن هي وقعت فعلاً فإن الشرق الأوسط كله سيشهد تغييرات كثيرة في معادلاته السياسية الحالية. أصْل هذه القصة أن إيران بقيت تضغط على أكراد شمالي العراق في سنوات ما بعد إسقاط نظام صدام حسين في عام 2003 لإعطائها ممراً برياً “كاريدور” عبر اراضي إقليم كردستان العراقي ليكون هناك ارتباط أرضي بينها وبين سوريا، وأيضاً بينها وبين مناطق سيطرة حزب الله اللبناني ولتطويق تركيا من الجنوب وتشكيل حاجزٍ بينها وبين مجالها الحيوي العربي الذي ازداد تبلوراً ووضوحاً بعد وصول حزب العدالة والتنمية الى الحكم والسلطة بقيادة هذا الثنائي رجب طيب أردوغان وعبد الله غول. وبالطبع فقد كان رفض مسعود البارزاني قاطعاً ومانعاً وذلك لمعرفته بأن الهدف هو تحقيق سيطرة إيرانية مباشرة على الاقليم الكردستاني في شمالي العراق، وكذلك فقد اعتبرت تركيا أن هذه المسألة تشكل خطاً أحمر بالنسبة إليها لأسباب كثيرة أهمها أنها ستجعل إيران الرقم الرئيسي في معادلة هذه المنطقة وفي المعادلة الإقليمية الشرق اوسطية كلها، وأنها ستضمن لها اعتراض التمدد التركي الحيوي في اتجاه الجنوب بالاضافة الى السيطرة الكاملة على العراق. لم تنجح تلك المحاولة المبكرة لكنها بقيت حية كجمر “يُعسْعسُ” تحت الرماد، وبقي جلال الطالباني يبذل جهوداً خفية لتحقيقها على ارض الواقع؛ أولاً لإضعاف مسعود البارزاني الذي تكرس في السنوات الأخيرة، كما كان والده الملا مصطفى البارزاني، رمزاً وزعيماً للأكراد كلهم الذين منهم في العراق وفي إيران والذين منهم في تركيا وفي سوريا وفي كل مكان، وثانياً لتعزيز مكانة حلفائه الايرانيين ومكانة أتباع هؤلاء في العراق، وعلى رأسهم نوري المالكي، وأيضاً حلفائهم في دمشق وفي لبنان والشرق الأوسط كله. والآن وفي ضوء حالة الختناق الشديدة التي بات يعيشها بشار الاسد فقد تم إنعاش هذا المشروع القديم من خلال إنسحاب النظام السوري من بعض المدن والقرى السورية في محافظتي الحسكة والقامشلي لحساب حزب العمال الكردستاني التركي ولحساب التنظيم الكردي الثانوي التابع لحزب جلال الطالباني، الذي هو حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وأيضاً من خلال لجوء نوري المالكي من جهته الى زيادة الضغط على مسعود البارزاني والى نقل قوات عراقية من منطقة البصرة الجنوبية وإرسالها للسيطرة على منطقة تلاقي الحدود العراقية - السورية -التركية عند ما يسمى “معبر إبراهيم” على نهر الخابور وإبعاد قوات الـ “بيشمركة” الكردية البارزانية عن هذه المنطقة. إنها مؤامرة واضحة كل الوضوح، وهذا يعني انه غير مستبعدٍ في ضوء زيارة وليد المعلم الأخيرة الى طهران والى بغداد أن تبادر إيران الى دفع وحدات من الحرس الثوري عبر شمالي العراق بالتعاون مع جلال الطالباني لتحقيق فكرة الممر البري الـ “كاريدور” الأرضي والوصول الى الأراضي السورية التي يسيطر عليها الآن حزب العمال الكردستاني التركي وهذا إن هو حصل، والمرجح أنه سيحصل، فإن تركيا لن تبقى صامتة ومكتوفة الأيدي وأن الحرب الإقليمية المتوقعة التي يجري الحديث عنها سوف تبدأ من هناك من تلك المنطقة الإستراتيجية التي بقيت تشكل ممراً للجيوش المتجهة نحو الشرق والجيوش المتجهة نحو الغرب على مدى حقب التاريخ المتلاحقة القريبة والبعيدة. عن جريدة «الرأي» الأردنية