لم يكن ناجي علوش مجرد مفكّر وكاتب، أديب وشاعر، مناضل وقائد في حركة التحرير الوطنية الفلسطينية، وحركة التحرير الشعبية العربية فحسب، بل كان واحداً من الذين عاشوا فلسطينهم وعروبتهم في كل حركاتهم وسكناتهم، في كل مقالاتهم ومؤلفاتهم. فهو ابن بيرزيت الذي عرفته شوارع عمان، وصحافة الكويت، وأحياء بيروت، وحواري دمشق، ونخيل العراق، ومنابر القاهرة، ومنتديات المغرب العربي الكبير، وتعاملت معه وكأنه واحد من أبنائها ممن تركوا في قلوب الكثيرين وعقودهم ذكريات حلوة، وأفكاراً غنية، وطموحات بلا حدود. كان ناجي علوش نموذجاً للمناضل والمفكر الذي حملته مبادؤه إلى الانضواء في أكثر من حزب أو حركة أو منظمة، لتحمله المبادئ نفسها إلى الخروج منها انطلاقاً من قناعته الراسخة أن التنظيم مجرد وسيلة لخدمة أهداف نبيلة، وليست غاية تصبح الأهداف مجرد وسائل في خدمة التنظيم. اختار ناجي علوش، منذ مطلع حياته، أن يكون “المثقف العضوي” ـ حسب غرامشي؟ـ فحمل في آن القلم والبندقية، وجمع بين النظرية والممارسة، وتنقل بين محافل الفكر وخنادق القتال، مدركاً أن الثقافة تحصن النضال من الانزلاق إلى مهاوي السطحية والارتجال والانفعال والعصبية العمياء، تماماً كما يوفر النضال للثقافة بوصلة ترشدها إلى كوامن الوجع في الواقع، وإلى مكامن الطاقة لدى الإنسان. ولا أنسى، يوم جاءني أبو إبراهيم خلال انعقاد المؤتمر الثاني للاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين في تونس عام 1977، وكان الأمين العام للاتحاد، ليطلب موافقتي لأكون عضواً منتخباً في الأمانة العامة للاتحاد، وذلك من أجل إعطاء البعد القومي العربي للقضية الفلسطينية التي استشهد في سبيلها رموز بارزون من أبناء الأمة العربية. قال لي يومها ناجي علوش: إن فلسطين هي أولاً وأخيراً، انتماء نضالي، لا يستحقها إلا من يناضل في سبيلها، بل إن الحائر بين فلسطين والعروبة ليس بحائر. وحين يقلب ناجي علوش اليوم الصفحة الأخيرة من حكايته الممتلئة نضالاً وعطاءً، وينهي كتابة الشطر الأخير من قصيدة عمره المتفجرة إبداعاً والتزاماً، يقف كل من عرف أبا إبراهيم بخشوع أمام شمعة مضيئة في ظلام واقعنا الراهن، وأمام لحظة وحدوية ثورية مشرقة في زمن التشرذم والتفتت، بل أمام قامة وقيمة نفتقد أمثالها اليوم في حياتنا الفكرية والثقافية والإنسانية وقد باتت ملوثة بكل أشكال التلاعب بثوابت الأمة ومقدساتها. ? عن «السفير» اللبنانية