رغم ادعاءاته المستمرة أن الدولة تصادر الحريات وتمنع التجمعات والاعتصامات والمسيرات، إلا أن جولاته ولقاءاته المستمرة مع مريديه وطوافه على قرى البحرين ومدنها تدحض هذه الادعاءات والمزاعم. فعلي سلمان لا يزال حراً طليقاً يتنقل من قرية إلى قرية يخاطب حوارييه وأتباعه دون أن يحجر عليه أحد فيما يقول، حتى لو كان خطابه فيه من المفردات والعبارات ما تسيء للنظام السياسي وتطعن في مصداقية القوى السياسية التي تخالفه الرأي في مقاربته للشأن السياسي المحلي، وتقلل من شأن الكتّاب والإعلاميين الذين يسلطون الضوء على تحركاته، ويحللون مضامين خطابه السياسي والإعلامي.
وأرى أن في اللقاء الأخير الذي جمعه مع أهالي المنطقة الغربية في مأتم كرزكان الأسبوع الماضي الدليل الكافي على نفي ادعاءاته وبطلانها، أما ما قاله في هذا الخطاب فهو من القول المكرر الذي يردده في كل جولاته حول الأزمة السياسية التي افتعلها هو وشركاؤه. فمقاربته للإصلاح السياسي لم تتغير رغم المستجدات التي طرأت على المشهد السياسي المحلي، وانكشاف نوايا جمعيته الحقيقية وغاياتها من وراء المطالبة بالإصلاح. فهو ببساطة شديدة لم يأتِ بجديد؛ حيث لم يتضمن خطابه في كرزكان أية كلمة أو عبارة توحي بتغيير في موقف جمعيته من الأزمة التي واجهت البحرين في فبراير من عام 2011 والتداعيات التي أعقبتها.
وبما أن هذه الأزمة كانت من صنع الوفاق وكان لها دور كبير في إحداثها وزيادة حدتها حيث إنها تخندقت مع الجماعات السياسية الراديكالية التي توسطت الدوار وراحت تطالب بإسقاط النظام، واستمرت في ممارسة العنف فيما بعد، فكان من المنتظر من جمعية الوفاق أن تتخذ موقفاً إيجابياً من الأزمة خصوصاً أنها جمعية سياسية مرخصة تمارس العمل السياسي في العلن، ولها تمثيل نيابي له وزن كبير في البرلمان، لكن الذي حدث هو العكس؛ إذ إن هذه الجمعية انحازت للجماعات الراديكالية غير المرخصة مثل حق ووفاء وائتلاف 14 فبراير الذي ظهر باسمه الجديد أثناء الأزمة وهو في الحقيقة الوجه القديم للتنظيم السري المعروف (بأحرار البحرين)، وهذه الجماعات باتت أهدافها معروفة في الشارع البحريني ولا تخفى مآربها على أحد.
لذا نقول إنه بتخندق الوفاق مع تلك الجماعات تكون طرفاً في إشعال فتيل الأزمة وتطورها ومساهمة بدرجة كبيرة في تصعيد المشكلة وتعقيدها بدلاً من الإسهام في حلها. وهي بذلك تخرج عن الإطار القانوني الذي ينظم العمل السياسي.
نقول هذا ليس من باب التحريض كما نتهم دائماً لكن من منطلق القانون الذي يقنن العمل السياسي ويحصره في الجانب السلمي. لكننا نعلم كما يعلم علي سلمان وأتباعه أن الدولة حريصة على الوحدة الوطنية وأنها لم تتخذ أي إجراء ضد الوفاق أو ضد علي سلمان شخصياً لأنها تدرك حجم المؤامرة على البحرين، لذا فهي تسعى إلى لمّ الشمل وتفويت الفرصة على الذين يحيكون خيوط المؤامرة لجر البحرين للوقوع في شباكهم. وإذا كان هذا التصرف -أقصد موقف الدولة من الوفاق- قد يغضب البعض في الشارع البحريني لفترة إلا أن نتائجه الإيجابية ستظهر في الأيام القادمة، خصوصا مع سرعة وتيرة المتغيرات الإقليمية والدولية والتي من أبرزها ما يجري على الساحة السورية من تطورات على الأرض وميل كفة الميزان لصالح الثورة السورية عندها ستنكشف الحقائق أكثر.
إذاً فإن استمرار هذه الجمعية في نهجها التصعيدي رغم النبرة التصالحية التي يصدح بها المسؤولون في الدولة وتبشيرهم أن المصالحة الوطنية قادمة وهي في الطريق الآن، إلا أن ذلك لم يؤثر في تغيير اتجاهات قياديي الوفاق وفي تعاطيهم للأزمة آفاق حلها. لذا نراهم مستمرين في التصعيد والنزول إلى الشارع رافضين كل المبادرات التي تقدمت بها الدولة والقوى السياسية من أجل غلق ملف هذه الأزمة وحلها في ضوء التوافق الوطني.
فخطاب أمين عام الوفاق الأخير صورة كربونية من خطاباته السابقة فهو لم يجرِ عليه أي تغيير أو تعديل، وهذا يثبت أن الوفاق ما تزال على موقفها من الدولة والنظام السياسي والقوى السياسية الأخرى. فعلي سلمان لا يعير أي اهتمام للمبادرات التي تطلقها الدولة والهادفة إلى طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة في تاريخ البحرين السياسي. وهو يعول كثيراً على المجتمع الدولي ويصر على موقفه؛ ليقينه أن هذا المجتمع يقف بجانبه ويرجح كفته ويعمل لصالحه، لذلك نراه في خطابه الأخير يقول بصريح العبارة وبلغة فيها شيء من الاستهتار بالقوى السياسية التي لا تشاطره الرأي فيما يذهب إليه، وتنكر عليه العنف وتدعوه الالتزام بالقوانين المحلية: “إن ما يحدد كون الأساليب سلمية أو غير سلمية هو المعايير الدولية، أما القوانين المحلية فلا اعتبار لها، لأن البحرين وقعت على اتفاقيات دولية ملزمة لها”.
أظن بعد هذا الاعتراف الصريح لعلي سلمان أنه لا يعترف بالقوانين المحلية مقابل اعترافه بالقوانين الدولية يكون بهذه الخطوة ومعه الوفاق قد خرجوا عن التوافق الوطني الذي يؤكد على أن الحل يجب أن يكون بحرينياً. من هنا يحق لنا القول إن هذه الجمعية تستقوي بالخارج في معالجة مشكلة محلية وهو أمر تجاوز الحدود ولا يجب السكوت عليه.
من جانب آخر نقول له إن القوانين الدولية لا تجيز العنف والإرهاب، بل العكس من ذلك فهي تحارب الإرهاب ويتعاون المجتمع الدولي من أجل القضاء على هذه الآفة التي لا تقرها الشريعة الإسلامية التي سبقت القانون الدولي بأربعة عشر قرناً، وأظن أن جمعية الوفاق أقرب إلى الشريعة الإسلامية من القانون الدولي، أليست هي من تقرن اسمها بالإسلام؟، فمن أولى أن يُتبع الإسلام أم القانون الدولي.