قبل استقراء كيف ستكون القاهرة الملتحية في العيون الخليجية المحجبة، لابد من الاعتراف بأمرين؛ صعوبة تجاوز حقيقة فشل الخليج في حماية خصوصيته من المد والجزر المصري منذ أن أرسل إبراهيم باشا قائده محمد كاشف لساحل الخليج 1819م مروراً بالناصرية، ثم عزلة السادات، ونجدة مبارك لنا ضد صدام، حتى نجاح الرئيس محمد مرسي في الوصول إلى الحكم في مصر والرهبة من الإخوان. أما الأمر الآخر فهو المفارقات في ردة الفعل الخليجية تجاه حكومة ملتحية من قبل دول محافظة نصف شعوبها محجب معنوياً والنصف الآخر محجب فعلياً. إضافة إلى أن الجزيرة العربية هي مصدر الإشعاع الإسلامي ومازالت حكوماتها أكثر من غيرها تشبثاً بالإسلام تشريعاً وإدارة، فكيف يتردد المنبع في قبول عودة ما تدفق منه! بنجاح جماعة الإخوان ظهر موقف دول الخليج مرتباً في أرفف من التوجس. لكن دراسة آلية صنع القرار الخليجي تظهر أنه إن غادر مربع الحيرة فلن يخرج في تعامله مع حكومة الإخوان عن واحد من ثلاثة سيناريوهات محتملة: في السيناريو المحتمل الأول من المتوقع استمرار الوضع الراهن كما هو بما يحمله من سمات غياب الخطط الخليجية للتعامل مع المدرك الجديد، وستظهر أصوات هنا وهناك تريد إعلان الحذر لكنها تطلق كلمات مبهمة، حيث لن تصنف حقبة الإخوان على أنّها خطأ تاريخي، فماضيهم مرحلة انتهت ولا يشكل منافساً للحاضر، وسيستمر وصول الإخوان إلى أكثر من منصب وزاري في حكومات خليجية عدة، مع استمرار تغلغل الأصابع الإخوانية في مجالات التعليم والمصارف والإعلام. طالما كان خطابهم متصالحاً مع عصره وطالما هم ملتزمون في تحالفاتهم الجديدة الناجحة مع الكتل القبلية الصاعدة حديثاً والمنتشرة على رقعة خليجية واسعة. وفي السيناريو المحتمل الثاني؛ سوف يتم احتواء الإخوان المسلمين بالحسنى، حيث تظهرهم خريطة الخليج كأقدم إحداثيات لتنظيم ديني محاط بسرية تجعل ملفاتهم عصية التمحيص. وقد كان تواجدهم الأول في السعودية بنفوذ كبير نكاية بعبد الناصر، لكنهم أنكروا جميل الرياض وساندوا ثورة اليمن، أو كما قال المرحوم نايف بن عبدالعزيز “استضفناهم وفي الآخر تآمروا علينا”. ثم تشكلت ملامح التنظيم الإقليمية1971م فصار هناك إخوان الكويت والإمارات والبحرين وعمان. ففي الكويت كانت هي الأقوى والأغنى والأكثر تنظيماً لكنها خسرت قواعدها بدعم الجماعة الأم لصدام 1990م، وفي البحرين نجحوا لضعف المنافسين. ولأنها لم تصطدم بالدولة، وفي الإمارات سيطروا على مؤسسات التعليم، ثم توترت علاقتهم مع الدولة جراء البيعة لمرشد الجماعة. وفي عُمان انضم للإخوان السنة والأباضية على السواء. ويتحدث مناوئيهم عن سيطرة الجماعة على التعليم في الخليج. وهم كما يرونهم قناصي فرص يطورون خطابهم للكسب الجماهيري. لذلك سيعيد صانع القرار الخليجي فهم ورسم المشهد الإخواني الخليجي بحذر كمؤسسات دينية ذات طابع شمولي، والترحيب بتحولات خطابهم الديمقراطي والمعتدل، لأنهم قادمون هذه المرة بمباركة أمريكية قوتها الدافعة هي البراغماتية. والأخذ بعين الاعتبار أن إخوان مصر تربطهم علاقات طيبة بإخوان الخليج، فقد قام مرسي بتهنئة “حدس” في الكويت بعد انتخابات 2012م، ولاحتوائهم على حكومات الخليج تجاوز مماحكات القرضاوي والفريق خلفان. ومساعدة المعتدلين لإزالة الخطاب الثوري من المشهد الإخواني الخليجي. وتبني طرح الشيخ جاسم بن ثاني بأن لا نخشاهم بل نتعاون معهم، طالما يعملون في إطار القانون. وسيسهل عملية الاحتواء أن هناك فرقاً بين إخوان الخليج وغيرهم من بقية الجماعة لتركيبة المجتمعات الخليجية المسالمة، ولأن الإخوان ليسوا هم الأقوى على الساحة الخليجية بل الأكثر تنظيماً. السيناريو المحتمل الثالث يتمثل في قيام علاقة تصادمية؛ حيث تتحول حالة “الإخوان فوبيا” إلى إجراءات خليجية حادة ومبررة بعد فرض حكومة الإخوان ترجمتها لمعنى التواصل بجعل إخوان الخليج أداة ضغط لها، كما فعل ناصر بإرسال آلاف المدرسين والأطباء الناصريين. مما يعني العودة للحظة الستينية في تاريخنا حين كان مجرد الاستماع لإذاعة صوت العرب في بعض دول الخليج تعاطف في غير محله وستكون من جوانب الصدام: 1- لن تتردد حكومات الخليج في التعامل مع الصرح الإخواني على أنه جدار تشكل البرغماتية السياسية لبناته الظاهرة فقط، لكن أساسه المطمور منذ ثمانين عاماً مزجت مكوناته بالعنف مما يجعل منتسبيها يأتمرون بشرعية جماعة منهجها من عصرٍ آخر، وتتوارث العنف جيل بعد جيل. 2- ستفعل حكومات الخليج أدواتها لإحداث انشقاقات في تنظيمات الإخوان الخليجية، يرافقه فك ارتباطهم بالمركز وتصويرهم كشخصيات هامشية تظهر على نحو شبحي لجباية الأموال، في اغتيال معنوي لصورتهم في الشارع الخليجي. 3- يعتبر السلف في الخليج من أهل البيت؛ لذلك سيقربهم صانع القرار ليزيد من حدة الحرب الباردة بينهم وبين الإخوان، بل وجعل كلا الفريقين يعتبر الآخر تهديداً وإلغاء لوجوده. 4- فوز الإخوان يعني حقن الربيع العربي بكمية جديدة من الوقود، لكن غياب الطبقة القريبة من الرصيف في المجتمع الخليجي، ولنجاح الرفاهية في تغطية الثغرات الديمقراطية الكثيرة، لذلك لن يكون للإخوان منفذ لنقد القيادة الخليجية إلا ترددها عن نصرة القضايا العربية والإسلامية سياسياً واقتصادياً خارج الأفق الخليجي. 5- رغم جيرة إيران المزعجة إلا أن واشنطن كثيراً ما حرضت الخليجيين عليها بدوافع إسرائيلية بحتة، وقد نجحت عواصمنا في تجاوز ذلك مرات، وانقادت لها مرات عدة، وبنفس المحرك الإسرائيلي لن تتردد واشنطن عن التحريض على حكومة مرسي، وسيكون هناك من لا يستطيع رفض مسايرتها. 6- حصل مرسي على أكبر عدد من أصوات للمصريين في الخليج، وستقرأ دوله ذلك كنقطة للتعامل مع القاهرة، وسيؤدي صراع الإرادات بين الطرفين لفرض رؤية القاهرة. أو أتباع الخليج للسيناريو الإماراتي حين قصت أجنحة حزب الله الداعم لإيران بترحيل اللبنانيين المتعاطفين معه. 7- لن تراعي القاهرة المصلحة الخليجية دون ثمن، ولعل أقوى المؤشرات كان تلويح حكومة شرف باستمرار الانفتاح على إيران والرد على الخليجيين بأن “لا سفارة لنا هناك وأنتم لكم، وطهران ليست عدواً”، ليكرر مرسي نفس التلويح مرشحاً ثم ينفيه رئيساً. فهل تتخذ العواصم الخليجية تلك الضبابية ذريعة لمفجرات الصراع مع حكومة الإخوان. في السنة الأولى من حكم الإخوان لمصر ستسهل النوايا الحسنة سير العلاقة بين القاهرة الملتحية والخليج المحافظ. ونرى أن استمرار الوضع الراهن كما في السيناريو الأول هو الأقرب للتحقق، إلا أن حدث تطرفاً يحاول فيه الإخوان المسلمون تجاوز دور القاهرة كقائد للعرب لتصبح مرشدهم أيضاً. دون أن تعي الجماعة أن العقائد والأيديولوجيات لا تحتضر في وطنها بل في الأماكن التي غامرت بالتوسع فيها. فهل يصاب فكر الإخوان بمقتل عن طريق خاصرته الخليجية؟ المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج