من نماذج حل الأزمات العربية في الأقطار العربية ظهرت لنا ثلاثة نماذج أساسية؛ النموذج الأول ظهر في جمهورية مصر العربية والذي تمثل في إبعاد رئيس الجمهورية ومحاكمته وحبسه، وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة حُكم البلاد الذي ثبت ذاته حاكماً عاماً وأتى برئيس ينتمي إلى التيار الديني، والنموذج الثاني كان في ليبيا حيث ساهم حلف الناتو بدور فاعل وأساس في تغيير نظام الحُكم الذي أدى إلى قتل رئيس البلاد، أما النموذج الثالث فهو النموذج اليمني الذي هيأ لتخلي الرئيس اليمني عن الحُكم مع ضمان سلامته وأهله وعدم التعرض له وما يملك من الأموال المنقولة والثابتة. هذه نماذج من الممكن تطبيقها على النظام الحاكم في سوريا، خصوصاً بعد الاجتماع الأخير المنعقد في القاهرة في يومي 2 و3 يوليو 2012م الذي شارك فيه عدد من وزراء خارجية العرب والأمين العام لجامعة الدول العربية، بجانب ممثلي المعارضة السورية في الداخل والخارج والدول المعنية بالأزمة السورية، فهذا المؤتمر خرج بنتائج هزيلة ومحدودة لا تنسجم مع تطلعات ورغبات الشعب السوري الذي أدى إلى إخراج المؤتمر من محتواه وأهدافه. فهل يمكن تطبيق أحد الحلول العربية (المصرية، اليمنية، الليبية) على سورية وتخليص الشعب العربي السوري من عذاب الموت والتشريد وغربة الملاجئ؟ فهل يبتغي السوريون وصفة أجنبية لعلاج أزمتهم؟ أم أن شفاء سوريا بيد أهلها وأبنائها؟ وهل إسقاط النظام السوري وتغييره يمثل حلاً للأزمة السورية؟ وهل الأقطار العربية التي تم إسقاط أنظمتها وتغيير رؤسائها حققت لها ولشعبها الأمن والأمان؟ وهل انتصر الشعب العربي في تلك الأقطار؟ وعلى مِن انتصر؟ أين يكون حل الأزمة السورية؛ في السلاح أم في الحوار؟ مع المعارضة أم مع النظام الحاكم؟ هل من الأفضل أن يكون الحل من الداخل أم حلاً مستورداً؟ وهل مَن جاء إلى السلطة في (مصر، اليمن، تونس، ليبيا) هو البديل للحُكم السابق فيها؟ أي؛ هل هذه السلطات الجديدة هي البديل الديمقراطي المرتقب من أحداث الربيع العربي؟ الشعب السوري يُقتل ويُجرح ويُشرد يومياً وعلى مدى أكثر من خمسة عشر شهراً، والنظام الحاكم في سوريا نظام شرس لا يرحم معارضيه ويتوعد كثيراً مناصريه، والمعارضة السورية ضائعة في زحمة المؤتمرات والمناقشات والمناوشات والانقسامات السياسية، فهذه المعارضة تنتقل من إخفاق إلى آخر، وتتمزق المعارضة في تسميات جديدة وعناوين جديدة بلغت العشرة وقد تكثر في الأيام القادمة، وبغياب آليات حقيقية، في كل يوم اتفاق واتفاقية مقابل سقوط العشرات والمئات من السوريين، يقابل هذا الانشقاق المستمر للمعارضة السورية إصرار النظام الحاكم في سورية على فرض الحل الأمني على أرض الواقع باستخدامه مختلف الوسائل العسكرية المتاحة بدلاً من طرحه بديلاً ديمقراطياً يتمثل في الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يطالب بها الشعب العربي السوري. إن تجربة الحل المصري لا تناسب الحالة السورية والرئيس السوري ليس راغباً في التخلي عن الحُكم والحصول على حصانة قضائية من المحاسبة والمساءلة القانونية، وتجربة دخول قوات الناتو العسكرية بجانب المعارضة، كما حدث في ليبيا، وقتل رئيس الدولة لم تحصل على اتفاق أطراف القوى المهيمنة على اللعبة السورية، بجانب أن المعارضة السورية ترفض الحوار مع النظام السوري مادام رئيسها موجوداً في السلطة؛ وهناك قوى سياسية معارضة ترفض التدخل العسكري في بلادها حتى لا تصبح سوريا كالعراق؛ وهذا الرفض لا يلتقي مع الدعم الذي يطلبه البعض للجيش السوري الحُر. خصوصاً أن هذا الدعم يعني استخدام السلاح لإسقاط النظام وهو أيضاً لا يتفق مع سياسة بعض المعارضين للجلوس على مائدة الحوار مع الدولة. إن أفضل الحلول هو الانتقال السلمي للسلطة بمشاركة جميع الأطراف وتشكيل حكومة وحدة وطنية من أجل إيقاف العنف المُسلح أولاً، ومن أجل سلامة الشعب السوري ثانياً، وثالثاً لعدم سقوط الدولة، والعمل على حماية السلم الأهلي والوحدة الوطنية السورية رابعاً. فالقوى السياسية السورية المعارضة المشتتة والتي لم تحصل على “شرعية” تمثيل الشعب السوري ليست متكافئة مع النظام السوري المتماسك والذي يملك شرعية الوجود. إن المعارضة السورية الآن هي قوة سياسية مشتتة الرؤى، فالمؤتمرات الخارجية التي نظمتها لم توحدها جيداً، كما إنها تفتقد إلى برنامج سياسي متفق عليه من قبل جميع القوى السياسية السورية المتفقة على إسقاط النظام ألأسدي والمختلفة حول الآليات والسبل لتحقيق ذلك، كما إن هذه المؤتمرات لم تؤثر على تماسك وقوة النظام الحاكم. فهل ستعمل وثيقة “العهد الوطني” على وقف النزيف الدموي السوري ورسم خريطة طريق سياسية جديدة لسوريا ولشعبها؟ ليس هناك أي نظام لأي دولة لا يخطئ والمعارضة السياسية في أي دولة دائماً تكسب على حساب أخطاء نظام دولتها، وحتى تستفيد المعارضة السورية من أخطاء النظام السوري عليها أن تتحد وتبتعد عن التشرذم، فبوحدتها وبأجندتها الوطنية ستتجنب السقوط في أخطاء المعارضات العربية الأخرى التي استلمت السلطة في بلادها والتي مازالت تتناحر على مغانم ومكاسب عروش لم تستدم لغيرهم.. ولو دامت لغيرهم ما وصلت إليهم.