يحيلنا المثل العربي الشهير “دموع التماسيح” إلى الكناية عن إظهار الضعف الكاذب لجلب الشفقة ابتغاء الخديعة، لذلك أصبحت عبارة دموع التماسيح كناية عن استدرار الشفقة الكاذبة ابتغاء الخداع والوقيعة بالآخرين، وقد يكون مفيداً في هذا السياق أن نذكر ببعض صفات التماسيح لمن لا يعرفها، فهي صنف من الزواحف، طويل الخرطوم وضخم الجسم طويل الذنب، قصير القوائم، برمائيّ زحّاف، يكون في أنهار البلاد الحارة وفي المياه الضحلة، بطيء النمو يزداد وزنه كيلو غراماً واحداً بعد تناول 10 كيلوغرام من اللحم والذي لا يحبه إلا متعفناً، حيث يقضي على الفريسة، فيترك لحمها لكي يتعفن ثم يأكله.
بيت القصيد هنا هو المعاني الثواني لكلمة تَمساح (على وزن تَََفعال: بفتح التاء،)، وهو الرجل الكذاب شديد الكذب كثيره، ولكثرة ما يأتيه الرجل التمساح من الكذب والبهتان والخداع حتى لكأن فمه يتسع لالتهام الفرائس، فيظل يلتهم ويلتقم دون أن يصل الإشباع من شدة الكذب على الناس.
هذا النمط من التماسيح ليس عندنا منه كثير -بفضل الله- إلا أنه لا يثير تجاهه سوى مشاعر التقزز والاحتقار، وهذه الفئة من الكائنات تجدها في كل شيء حي أو ميت، في مسام الجلد وفي الشعيرات وفي الخطب والكلمات، في القصائد والأفلام والأخبار والتقارير والترهات، في تخوم المدن الكبرى، وفي القرى وفي الأرياف، في الصحارى والجبال، يرتحلون رحلة الشتاء والصيف والخريف والربيع، في سنوات القحط والجفاف، “يموتون” في المصائب والجوائح والكوارث، ولذتهم الكبرى في الدماء والضحايا.
يؤولون الديمقراطية على أنها (كلام فاضي)، والقانون عندهم كذبة والدستور خديعة، والحوار وقيعة، والحق الوحيد هو ما يعتقدونه، أو ما يأخذونه بالقوة، وليس مهماً المشي في الاتجاه الصحيح، الحقائق الموثقة يكذبونها بالبهتان المزين بدموع التماسيح، عندما تجلس إليهم يجرون حواراً باطنياً يستبيحون فيه دمك ووجودك، يتظاهرون بأنهم آخر من يعلم بكل ما حدث رغم أنهم أول من حرض كي يصاب الوطن بوعكة.. ينزف فيسعدون.
التماسيح تصاب في العادة بعاهة مستديمة عندما تنقلب على بطونها، تصيب جهازهم المعوي والمناعي، فيصبحون غير قادرين على ابتلاع النجاح والإنجاز، مهما كان ساطعاً، أصبحوا قاصرين عن تحقيق وجودهم إلاّ بوسيلة واحدة هي تحويل جموع الناس إلى قاصرين وتابعين.. يبذلون كل ما في وسعهم لتحويل أي مشهد حي إلى مقبرة، ولا يرتاحون في أي أرض أو سماء إلا إذا غرّد فيهما الغراب.. يترصدون الهفوات، يستغلون الآلام والأحزان، يوظفون مصائب الناس، لبناء مصائد للعبث وإشعال الفتن، وجعل الدائرة الجهنمية تعمل على مدار الساعة دون توقف لكي يقال في النهاية إن “الديمقراطية كذبة” و«الدستور مسخ” و«الإصلاح وهم”، و«التقدم مستحيل”، إنهم يقترحون حلاً جاهزاً ومخرجاً واحداً هو: نحن البديل الأبدي والسرمدي لكل ما هو قائم أو فالنار والعار للجميع. ولأنهم في عجلة من أمرهم -فإن الحل الوحيد الذي في جعبتهم هو استعجال المواجهة والدخول في اللعبة إياها التي كثيراً ما شهدناها ومللنا فصولها، ولم توصلنا إلا إلى الفوضى والعودة إلى المربع الأول.