الشّجاعة هي مدخل الحل، الشّجاعة هي التي تحوّل الإدراك العميق بالمصلحة العليا للوطن إلى تحرّك فاعل يترجمه الإقدام على تحمّل المسؤولية، وإقرار منهج لحوار التوافق الوطني، بالعزم على طي الملف والوصول إلى حلول شاملة وقابلة للاستمرار، وإيقاف حالة الاستنزاف المتواصل للمقدرات الوطنية المادية والبشرية والمعنوية، وتحمل تبعات هذا الحل وما يقتضيه من قرارات صعبة من السلطة ومن المعارضة ومن سائر مكونات الحراك السياسي.
الشّجاعة تقتضي من جميع الأطراف اتخاذ الإجراءات والقرارات التي تؤدي إلى تصحيح المسار لإعادة الهدوء والاستقرار كقاعدة أساسية غير قابلة للمزايدة أو المساومة، تمهيداً لبدء حوار سياسي يساعد على إيجاد مخرج من حالة الاحتقان.
الشجاعة وحدها تمكن من إعادة الأمر إلى أصله بتخليصه ممّا علق به من شوائب، وصوناً لمبادئ الميثاق والدّستور المتّصلة أساسا بتعميق الرّوح الوطنية، وتجذير القيم الإنسانية وتجسيم إرادة المواطنين، باعتماد وتكريس دولة القانون والمؤسّسات والعدالة والمشاركة السياسية الحية، والتّأسيس لبحرين الغد عبر الارتقاء في سلّم تكريس قيم التعايش والتسامح والديمقراطية وتجذيرها والسّموّ بها إلى نهج الحداثة، لتواكب التطوّر الذي حققه الشّعب في مستوى الوعي السياسي والنّضج الفكري والاهتمام بالشّأن العام والتطلّع إلى حياة سياسية أرقى، وتثمين ما تحقق من إنجازات مشهودة لا يجوز التنكر إليها.
الشّجاعة تتمثل في التوافق على سدّ المنافذ على تشكيل أحزاب سياسية على أساس ديني طائفي، واستبعاد هذه الظّاهرة عن المسار الدّيمقراطي التعدّدي المستقبلي، وفي أي إصلاح سياسي مستقبلي، صوناً له ودرءاً لمخاطر الفتنة والفرقة والظّلامية والتعصّب والتطرّف.
الشّجاعة في رفض العنف والقهر والتسلط، مهما كان مأتاه، عنف السياسة أوعنف الدين أو عنف الطائفية أو عنف الشارع، ورفض صريح وقاطع للنّماذج السياسية المسقطة، والتدخل الأجنبي في الشأن المحلي، والتوقف عن تلقي دروس الوعظ والإرشاد في مجال الدّيمقراطية وحقوق الإنسان والحريّات العامّة مهما علا شأن صاحبها ومهما ارتفع ثمن الرّفض، والتمسّك بالمقاربة الوطنية التي تأخذ بخصوصيات الوطن وتضع مصلحة البحرين والبحرينيين فوق كلّ اعتبار.
الشّجاعة هي الجمع بين الذّود عن المقوّمات التي تشكّل الهويّة الوطنية انطلاقاً من الدّين الإسلامي الحنيف الجامع بين مكونات المجتمع والهوية العربية، والانخراط في منظومة القيم الإنسانية المشتركة، تتصدّرها قيم الحرية والعدل والإنصاف والتّضامن والتّسامح، والإيمان بأهميّة إرساء الحوار بين الحضارات على أساس الاحترام المتبادل بينها.
والشّجاعة هي التي ستساعد في النهاية على التغلّب على الصّعوبات التي يطرحها الحاضر والإعداد على المدى البعيد لتحقيق تقدّم الوطن وازدهاره واستقراره وتكامل عناصره وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص على أساس المواطنة الكاملة.
الشجاعة هي ما يبني المجتمع الواثق من نفسه القويّ بهويّته، القوي بثقافته، مجتمع يتشكّل وفق ما يتيحه لكلّ أفراده من ظروف للخلق والإبداع والحلم والطّموح ورسم الأهداف، والتّوق إلى الأفضل وما يجيزه من إمكانات لتحقيق هذه الطّموحات، وبلوغ ما ينشدونه من أهداف، مجتمع يشجع على الانفتاح على العالم الخارجي والإقبال على فرص الإثراء المتبادل.
الشجاعة إيمان من القيادات السياسية من كافة المشارب والاتجاهات بقدرات هذا الشّعب الظّاهرة والكامنة بما يزرع الثّقة في النّفوس والثّقة في المستقبل، وهي إنصات حقيقي وعميق لنبض الشارع وطموحات المواطنين المشروعة، ثقة يقابلها الشعب بالبذل والعطاء والانقطاع للعمل خدمة الوطن، خدمة لإنسان هذا الوطن.
والشجاعة لوحدها تساعد على رسم الإصلاح والمستقبل برفع شعار الحركة والتبصّر والإرادة والمشاركة المتوازنة والوفاق الوطني والتعايش ورفض العنف أسلوباً لحل المشكلات، وبذلك ستكون السّنوات القادمة حبلى بالأحداث والمزيد من الإصلاح لرفع تحدّيات المرحلة القادمة وقدرتها على تأمين تواصل مسيرة البناء في كنف الهدوء والثّبات.