مازال يتحدث ويكتب الكثير منهم بإحدى أقدم اللغات على وجه المعمورة، والتي تعتبر إحدى فروع اللغة الأرامية. محافظون على ديانتهم وعلاقاتهم التاريخية مع الطوائف الأخرى في العديد من البلدان العربية كالأحواز العربية المحتلة والعراق، كما لم يذكر التاريخ عن ممارستهم عملية عنف ضد معتنقي الديانات الأخرى، وتصنف ديانتهم من الديانات المسالمة وكذلك سوسيولوجية هذه الطائفة. أتحدث هنا عن الصابئة أو الطائفة المندائية؛ لهذه الطائفة العريقة بصمة كبيرة في بناء الحضارات، لكن لم تكشف بعد أمام العالم بشكل واضح. وكما ذكرت أن الصابئة قدّموا الكثير من الفنون المعمارية أثناء بناء حضارات فلسطين والأحواز وكذلك العراق وتشييدهما. ديانتهم المندائية إحدى الديانات التوحيدية وأقدمها، ويؤمن أبناء هذه الطائفة بما جاء به أنبياؤهم كيحيى وزكريا وسام ونوح وشيث وآدم عليهما السلام. لكن رغم التعايش السلمي وثقافة هذه الطائفة العربية؛ إلا أنها وجهت بالاضطهاد من قبل جهات عدة، الأمر الذي جعل كثيراً من أبناء هذه الطائفة العربية العريقة يتركوا مواطنهم الأصلية ويتوجهوا نحو الغرب والشرق، حيث انتشر أبناء هذه الطائفة في السنوات الأخيرة، في الغرب بداية من الولايات المتحدة الأمريكية ووصولاً إلى شرق العالم أستراليا. عن اضطهاد الطائفة المندائية يمكنني القول إن أبناء الطائفة كانوا غرباء في بلدانهم ومواطنهم الأصلية. في الأحواز كان المواطن الصابئي رغم أنه جزء من النسيج الاجتماعي وذو تأثير مباشر في حياة الناس من خلال حضوره في الأسواق كأسواق الذهب والتجارة، إلا أنه مهمش ومنسي وشبه معدوم على مستوى الحضور الجماهيري. إذ حسب الفتاوى (السياسية) لأصحاب العمائم من الفرس، ولبث روح الفرقة بين أبناء المجتمع الأحوازي لصالح الدولة الفارسية؛ (لا يجوز التواصل الاجتماعي مع الصابئة)، وكذلك (حتى لا يجوز أن يسلم المسلمون الشيعة على أبناء هذه الطائفة حسب أوامر رجال الدين من الفرس). تحدث لي أحد الأصدقاء من مدينة السبعة “هفت تبه” (110كم شمال الأحواز العاصمة)، حيث كان في سفر إلى مدينة الخفاجية ودخل على محل لبيع الذهب في سوق هذه المدينة ويقول؛ كالعادة بمجرد دخولي إلى المحل بدأت بالسلام على صاحب المحل، ولأنني أشعر بالعطش طلبت منه كأس ماء، ومن ثم بدأت أسأله حول سعر الذهب والمجوهرات الأخرى، لكن تصرفاته معي يشوبها الارتباك. بعد أن اشتريت ما كنت أبحث عنه، سألني صاحب المحل: من أي مدينة أنت؟، وأجبته أنا من السبعة، فهز رأسه وقال.. نعم! سؤال صاحب المحل وارتباكه دفعني لأستفسر عن سبب ارتباكه، لكن بطريقة غير مباشرة، فقلت له وأنت من أية مدينة؟ قال لي أنا من هنا.. من الخفاجية. وأكمل؛ لهذا سألتك من أية مدينة، واستطرد هنا لم يسلم علينا العديد من الزبائن إلا البعض واستمر صاحب المحل حيث قال؛ أنا صابئي. نقلت هذا الحدث كعينة أنقل من خلالها بعض من معانات الصابئة في ظل دولة الاحتلال الفارسي. لا شك أن الطائفة المندائية عانت الكثير في موطنها وبشكل ممنهج وهادف. وأراد النظام الفارسي عبر الفتاوى التي ليس لها صلة لها بالدين الإسلامي الحنيف أن يبث روح الفرقة والشتات في المجتمع العربي الأحوازي، واستطاع من خلال أناس ذوي توجهات دينية وطائفية متطرفة وكذلك بعض الأميين في المجتمع الأحوازي أن يبعد هذه الشريحة العظيمة، والتي تمتلك إرثاً ومخزوناً ثقافياً هائلاً من طيات تاريخ المجتمع الأحوازي، وحاول أن يبعدها كل البعد عن عروبتها ويعزلها بغية التسلط على أواصر المجتمع وهدمه شيئاً فشيئاً. وعلى المستوى القانوني أن العديد من الطوائف غير المسلمة يذكر اسمهم في المادة 13 من الدستور الإيراني، ومعترف بهذه الطوائف رسمياً وتدعمهم جهاة عدة كوزارة الثقافة والإرشاد بغية الحفاظ على موروثهم الثقافي وتنميته، لكن لا يوجد أي اعتراف بالطائفة المندائية في الدستور الإيراني. لقد ورد ذكر الصابئة وبشكل مستقل في القرآن الكريم وفي الآيات الآتية؛ الآية 62 من سورة البقرة، وفي الآية 69 من سورة المائدة وفي الآية 17 من سورة الحج. وبما إنه قد تم تدوين الدستور الإيراني على أسس الشريعة الإسلامية (حسب ما يقول زعماء إيران)، لكن مدونو الدستور الإيراني تحاشوا الآيات القرآنية المذكورة آنفاً، ولم يذكروا الطائفة المندائية في الدستور الإيراني، حيث تنص المادة الثالثة عشرة “أن الإيرانيين الزرادشت واليهود والمسيحيين وحدهم الأقليات الدينية المعترف بها دستورياً وتتمتع بالحرية في أداء شعائرها”. نرى أن الصابئة اندثروا هنا في إطار هذه المادة المبنية على أسس العنصرية، وذلك بدليل أن أبناء الطائفة متمسكين بعروبتهم وليس لشيء آخر. هنا وفي أولى أيام عيد “دهوا ربّا” أي عيد رأس السنة المندائية أو “العيد الكبير” حسب وصف أبناء الطائفة، حيث دخل أبناء هذه الطائفة في الـ19 من يوليو إلى عام 445382 (أربع مائة وخمسة وأربعون ألفاً وثلاث مائة واثنان وثمانون) حسب التقويم المندائي. وبصفتي مواطن أحوازي أتقدم بأحر التهاني والتبريكات لأبناء الطائفة المندائية في شتى بقاع العالم، وعلى وجه الخصوص إلى أبناء الأحواز من هذه الطائفة العريقة، ونؤكد لكم أن الأحواز لم ولن تستغني عن الطائفة المندائية، وتبقى هذه الطائفة العريقة جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي الأحوازي في داخل وخارج الأحواز، ومن أجل استمرار النضال ضد الاحتلال الفارسي نطالبكم بالتواجد والحضور الفاعل بجانب أخواتكم وإخوتكم في المؤسسات الأحوازية في الداخل والمنفى. وعلى أمل اللقاء على أرض الأحواز أهنئكم بلغتكم وأقول “بشميهون اد هيي ربي.. كل أشني وأناتون بطابي. دهوا ربّا مبارخلخون وماري مزهرلخون”. ولغير المندائي؛ باسم الله الحي الأزلي.. كل عام وأنتم بخير وأمان وبارك الله لكم هذه الأيام السعيدة.