سواء صحت تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان خلال الاجتماع الذي عقده قبل أيام مع عدد من السفراء الإسرائيليين، وتناقلته وكالات الأنباء والذي حذر فيه من أن إسرائيل «قد تجد نفسها في منحدر عميق بخصوص كل ما يتعلق بالحفاظ على معاهدة السلام مع مصر إذا ما واصلت الأخيرة تعزيز قوتها عسكرياً على الحدود، وبالتالي، ينبغي الحزم والتدقيق مع المصريين في أصغر الأشياء وإلا ستهوي إسرائيل إلى منحدر عميق في كل ما يتعلق بالحفاظ على معاهدة السلام مع مصر»، ومعها الرسالة التي نشرتها صحيفة «معاريف» نقلاً عن ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وقالت فيها «إنه وجه رسالة إلى السلطات المصرية يطالبها فيها بالتوقف عن إدخال قوات عسكرية إلى سيناء بهدف ملاحقة عناصر مسلحة دون تنسيق مع إسرائيل»، أم إنها كانت غير صحيحة كما نفاها المتحدث باسم الرئاسة ياسر علي، الذي «أنكر تلقي مثل هذه الرسالة بل لم تعلن مصر عن تسلمها أي طلب من إسرائيل»، تبقى الحقيقة هي أن العلاقات المصرية - الإسرائيلية ليس في أحد شهور العسل الجميلة التي عرفتها إثر توقيع اتفاقيات السلام بين البلدين، في نهاية العقد السابع من القرن العشرين.
أكثر من ذلك، فإن العلاقات بين البلدين، وخاصة من قبل الطرف الإسرائيلي، لم تنعم بأي شكل من أشكال الثقة، رغم اتفاقيات تطبيع العلاقات المتتالية التي قبل بها البلدان، منذ أن وقعا بشكل ثنائي اتفاقيات كامب ديفيد في العقد السابع من القرن الماضي، مثل اتفاقية «الكويز» الثلاثية بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة، و»التي تمكن المنتجات المصرية الدخول إلى السوق الأمريكية دون تعرفة جمركية أو حصص كمية بشرط استخدام نسبة 11.7% مكونات إسرائيلية»، أو اتفاقية «الغاز المصري لإسرائيل في عام 2005، والتي تقضي بتصدير 1.7 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي لمدة 12عاماً». فكل تلك الاتفاقيات كانت تتعرض لانتهاكات إسرائيل لاختراق الأمن المصري. فخلال عامين فقط اكتشفت القاهرة، وأيام حكم حسني مبارك «أكثر من ثلاث شبكات تجسس إسرائيلية داخل الأراضى المصرية منها ما حكم فيها القضاء المصري على المتهم الرئيسي في الشبكة الأولى طارق عبدالعزيز مصري الجنسية بالسجن المؤبد والشبكتين الأخريين مازال التحقيق جارياً فيهما».
لذلك من الخطأ قراءة التصريحات الإسرائيلية على أنها تعكس حقيقة المخاوف الإسرائيلية من احتمال نقض مصر، في هذه المرحلة بالذات، لأي من الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، وهو أمر أكد الرئيس المصري محمد مرسي على تمسكه به، وبالتالي ثم فمن الخطأ رؤيتها أيضاً على أنها موجهة فقط نحو الحكومة المصرية، التي تدرك إسرائيل، أكثر من غيرها، أنها، أي مصر، وفي ضوء التطورات التي عرفتها الحكومة المصرية خلال العامين المنصرمين، ليست في وضع يؤهلها، وربما للسنوات الخمس القادمات، لتشكيل أي نوع من أنواع الخطر للدولة العبرية. فأولويات الدولة المصرية اليوم ولفترة قريبة منظورة ستركز على إعادة ترتيب البيت من الداخل، بما يشمل إعادة بناء الاقتصاد، لكونه المسألة الأكثر إلحاحاً في هذه المرحلة المبكرة من التغيير الذي طرأ على السلطة في مصر. ولعل في تقدم مصر «بطلب زيادة القرض الذي يقدمه صندوق النقد الدولي لدعم الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي المصري ليصل إلى 4.8 مليار دولار، مقابل ما كان مقرراً أن تحصل عليه مصر وهو 3.2 دولار»، أكبر دليل على أولويات الحكومة المصرية في الفترة المقبلة. تجدر الإشارة هنا إلى أنه رغم أن المعاهدات بين البلدين تسمح بالمراجعة، «لكنها تشترط موافقة طرفيها على أي تعديل يدخل عليها، وعليه فمن الحيوي أن تطلب الخارجية المصرية ذلك رسمياً من إسرائيل»، قبل أن تقدم على خطوة من شأنها إقلاق تل أبيب، كما تدعي هذه الأخيرة. كما إن تأكيدات وزير البترول والثروة المعدنية المصري عبدالله غراب بأن «الإجراء الذى اتخذ فى شأن عقد تصدير الغاز لإسرائيل، لا يخرج عن كونه خلافاً تجارياً، لا تحكمه أية اعتبارات سياسية»، في أبريل 2012، فيه الكثير من المؤشرات على استمرار تقيد القاهرة حرفياً بما تنص عليه تلك المعاهدات. يبقى السؤال إذاً، ما الذي يدفع بـ «تل أبيب» إلى إثارة مثل هذه القضايا الأمنية، طالما أنها يفترض فيها أن تكون غير قلقة مما يحدث على الجبهة المصرية، بما في ذلك تحريك بعض القطاعات العسكرية على جبهة سيناء؟
من يقرأ تاريخ السياسة الخارجية الإسرائيلية، وهي بطبيعة الحال، محكومة بالاستراتيجية العسكرية الصهيونية التوسعية، يمكنه فهم ذلك التحرك الإعلامي تجاه القاهرة، على أنه يحمل في ثناياه سعي إسرائيل لتحقيق واحد أو مجموعة من الأهداف التالية:
1- اغتنام فرصة فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية لانتزاع المزيد من المكاسب داخل المؤسسة الحاكمة الأمريكية القادمة، إذ تدرك تل أبيب أن هذه السنة هي سنة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومن ثم فمن أجل تحقيق المزيد من الدعم والمساعدات، فمن الأفضل وضع إسرائيل في خانة الدولة المهددة «بفتح الدال»، الأمر الذي يفسح المجال أمامها، لنيل المزيد من الدعم من قبل المتنافسين على كرسي الرئاسة، من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، تحت شعار «حماية إسرائيل» من أي خطر محتمل.
2- تبرير أية خطوة عسكرية هجومية يمكن أن تقدم عليها إسرائيل على أي من الجبهات المتاخمة لها، وربما تكون لبنان هي الخاصرة العربية الرخوة التي يمكن أن توجه لها إسرائيل ضربتها القادمة، فتحقق أكثر من هدف على تلك الجبهة. فتضع حداً لأي شكل من أشكال «المشاغبات» التي ربما تسول لـ «حزب الله» اللبناني نفسه بالإقدام عليها لتعويض خسارته جراء الأزمة التي يعاني منه حليفه في سوريا، والتي قد تفقده بعضاً من حصته في الكعكعة اللبنانية التي نالها من خلال إبراز نفسه على أنه القوة العربية الوحيدة المناكفة لإسرائيل، وفي الوقت ذاته تضمن أيضاً، عدم إقدام أي من المنظمات الفلسطينية على عملية يتيمة، لكنها مؤذية لإسرائيل من الجنوب اللبناني.
3- تأمين الغطاء السياسي الذي ربما تجد تل أبيب نفسها في حاجة له عند إجراء معين تجاه السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، أو في غزة تجاه «حماس»، التي لا تكف إسرائيل عن محاولة الربط بينها وبين سلطة «الإخوان المسلمين» الجديدة في مصر. ولعل في دعوة وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان من خلال رسالة بعثها إلى وزراء خارجية الرباعية الدولية، التي حصلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية على نسخة منها «إلى الإطاحة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس من خلال إجراء انتخابات في السلطة الفلسطينية، محذراً من أن عباس ليس معنياً أو ليس قادراً على التقدّم في عمية السلام بسبب مكانته السياسية الضعيفة والتغيرات في دول عربية، وأنه بسبب «توجهات عباس وشركائه فشلت محادثات عمّان التي حاول الأردن دفعها بين الجانبين في بداية العام الجاري»، بعض المؤشرات التي تكشف عن نوايا تل أبيب في هذا الاتجاه.
في كلمات قليلة، لقد أطلت الأفعى الإسرائيلية بتصريحاتها التي يكتنفها الكثير من النوايا السيئة تجاه المنطقة العربية، ومن ثم فمن الخطأ أن يتساهل العرب في تقدير درجة خطورة مثل هذه التصريحات وأخرى غيرها، كي لا يؤخذوا، كما عودونا، على حين غرة من أمرهم، بلدغة من تلك الأفعى، التي وإن لم تكن قاتلة، فإنها بلا شك مؤذية