يستقبل المسلمون شهر رمضان المبارك بالكثير من الغبطة والسرور، ولهذا الشهر الكثير من العادات والتقاليد والذكريات الجميلة، في هذا الشهر تكثر تلاوة القرآن الكريم، ويمد أهل الخير أيديهم بما تجود به أنفسهم إلى المحتاجين من أبناء مجتمعهم، وفي هذا الشهر أيضاً تتآلف القلوب وتلتقي في المجالس الرمضانية. إن المجالس في البحرين ومنذ قديم الزمان هي عادة بحرينية قديمة وعربية أصيلة، فهذه المجالس كانت ملاذاً لأبناء المجتمع الذين “يلتمون” في تلك المجالس للتحادث والتسامر، وكانت هناك من البيوت القليلة التي تفتح منازلها لهؤلاء الناس خاصة أهل النخبة والجاه وذوي المال. فبالرغم من أنها مُلتقى لأبناء المجتمع إلا أن هذه المجالس قديماً كانت ديواناً لحاكم البلاد يلتقي فيها بكافة مواطنيه من المسؤولين ومن المواطنين، وكانت تُلبى فيها حاجيات الأفراد وتُوزع المساعدات، وأيضاً لفض المنازعات والخصومات بين الأفراد، وكانت كذلك أرضاً لعقد الصفقات بين التجار، ومن جدران هذه المجالس تعقد الألوية العسكرية للدفاع عن البلاد إذا ألمَّ بها حدث أو خطر. فالمجالس البحرينية ليست وليدة اليوم بل هي متواجدة منذُ القدم، وإن كانت تمثل من الناحية الاجتماعية ترفاً إلا أنها ضرورية لتحقيق التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، والتواصل صفة من الصفات الحميدة لأي مجتمع متحابّ ومتماسك، ولا يمكن لأي مجتمع أن يخلو من هذا الأمر. وفتح المجالس هو تراث اجتماعي مجيد توارثه أبناء البحرين عن آبائهم وأجدادهم، وإن كثيراً من البيوتات البحرينية وفي مختلف محافظات مملكة البحرين حافظت على هذا التراث الذي -إن شاء الله- لن يندثر أو يتراجع. ولنا القدوة في قيادتنا السياسية الرشيدة في عقد المجالس واستقبال المسؤولين والمواطنين والاستماع إلى آرائهم في مختلف المواضيع التي تهم الشأن الوطني. وفي شهر رمضان الكريم تزداد الأبواب المفتوحة لهذه المجالس، فهناك مجالس الذِكر التي تُتلى فيها آيات الذكر الحكيم من القرآن الكريم، والمجالس الثقافية التي يتم فيها مناقشة المواضيع الثقافية والسياسية المتعلقة بالشأن المحلي والعربي والدولي، وهناك المجالس الاجتماعية التي يلتقي فيها الأفراد من أبناء المجتمع بهدف التسلية وقضاء الوقت الممتع. والمجالس تفتح أبوابها حسب رغبة أصحابها، فهناك من المجالس اليومية التي تستقبل مرتاديها في كل يوم، وأخرى أسبوعية وشهرية. وما يجمع جميع هذه المجالس هو الالتقاء الاجتماعي المتواصل بين مواطني مملكة البحرين باختلاف أطيافهم وأديانهم، فمن عاصمة البلاد المنامة ينطلق أهلها إلى مجالس المحرق وإلى مجالس المنطقة الشمالية، وأهالي المحرق يجوبون بكل حُب مجالس البحرين، وينطلق جميع أهالي البحرين إلى المجالس في كل المحافظات، لكونهم أبناء وطن واحد وهم يمثلون أُسرة واحدة ولا فرق بين أحد منهم ولا فضل إلا بقدر محبته لوطنه. وبجانب هذه المجالس تفتح الجوامع والمساجد والمآتم أبوابها حيث يكثر مرتادوها في هذا الشهر الكريم، فتقام الصلوات وتُتلى الأدعية وما تيسر من الآيات البينات فيها. واليوم فإن مملكة البحرين وشعبها يحتاجون إلى مثل هذا التواصل الاجتماعي الذي يجمعهم على تراب واحد وفي ظل قيادة شرعية واحدة، يحتاجون إلى مساحة كبيرة من الحب والتوادّ والتآلف تفوق مساحة الوطن الجغرافية، فالتشتت الوطني يضعفنا وقوتنا تكون في اتحادنا، والتواصل الذي تتحدث عنه القيادة السياسية ومسؤولو البلاد هو جزء لا يتجزأ من هذا الاتحاد الذي نحتاج إليه اليوم في بحريننا وهي تمر بهذا المنعطف التاريخي الحاسم، هذا المنعطف الذي نَخَل الطيِّب من الخبيث، الذي جمع الشعب حول قيادته السياسية، الذي اختار الوطن وسيادته وهويته العربية، الذي رفض الانجرار وراء الأجندات الأجنبية التي أقبر أهدافها الوقفة الوطنية للشعب البحريني، هذه الوقفة التي ستكون درساً تقرؤه الأجيال القادمة ليكونوا أمناء على هذا الوطن بوحدتهم وتكاتفهم. فلتكن مجالسنا الرمضانية مكاناً نرتوي فيه القوة والمنعة والعزة، ولتجمعنا هذه المجالس على الخير دائماً، ولنحافظ على هذا التقليد الوطني العربي الأصيل ولنعش دائماً بقلب واحد في وطن واحد تحت ظل قيادة واحدة، فشهر رمضان شهرٌ كريم ومجالسنا الرمضانية جزء من تقاليد هذا الشهر فلنحافظ عليه حتى يذكرنا التاريخ بصفحاتٍ بيضاء.