الظلم لا يثني المظلوم عن السكوت ولا يجعله يتنازل عن حقه، والقتل لا يوقف حركة التاريخ، فدورة التاريخ من سنن الحياة؛ والكون شهد أبشع جرائم الإبادة البشرية. لقد مرت على الأرض أنظمة وطواغيت وقامت دول وإمبراطوريات شتى ارتكبت أبشع مظاهر الظلم والطغيان، لكن مصيرها جميعاً كان الزوال والفناء. لم تكن بلاد فارس بمنأى عن ذلك؛ فقد شهدت هي الأخرى إمبراطوريات وأنظمة أقل ما توصف أنها كانت ظالمة ومتجبرة، ولعل في الدول الصفوية والقاجارية والبهلوية، التي ظهرت في العهود القريبة الماضية خير مثال على ذلك، ومن المؤكد أن نظام الخميني الذي يحكم إيران منذ أكثر من ثلاثة عقود لن يكون استثناءً عن تلك الدول والأنظمة التي أصبحت في مزبلة التاريخ، وذلك لما لهذا النظام من صفحة سوداء في تاريخ البشرية عامة وتاريخ إيران الحديث خاصة. لقد اعتاد نظام الخميني الذي بني على جماجم الشعوب والقوميات العديدة في إيران على ارتكاب المجازر وقمع الشعوب للحفاظ على وجوده ودوام سلطته واستمرار دولته الطائفية، لكن هل يتمكن هذا النظام من تحقيق حلم بقائه إلى ما لا نهاية؟ كلا وأبداً فهذا يخالف منطق التاريخ والسنن الكونية التي سنها الله جل جلاله، فهو القائل وصدق قوله «وتلك الأيام نداولها بين الناس». إذن إنما هي الأيام، وهي يوم لك ويوم عليك. وقال سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه «إن يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم». إن ممارسة القمع والاضطهاد الذي يمارسه نظام الخميني ضد أبناء الشعوب في إيران عامة، وضد العرب في الأحواز خاصة، ليس إلا واحدة من تلك المظاهر التي تجعل من هذا النظام رقماً في سجل الدول والأنظمة التي خلدها التاريخ في صفحاته السوداء، فما أقدم عليه نظام الخميني بإعدامه أربعة من عرب الأحواز -ثلاثة منهم أشقاء- ليس سوى حلقة في مسلسل طويل من الإعدامات والانتهاكات اللإنسانية بحق الشعب العربي الأحوازي المضطهد. إن حكام إيران الذين استرخصوا أرواح البشرية عامة، وأرواح الشعوب الإيرانية خاصة، يتجاهلون كلياً ما يدور حولهم من ثورات وانتفاضات على الظلم والطغيان الذي ارتكبه أقرانهم من الأنظمة التي كانت تمارس القتل والإعدامات والاضطهاد وسيلة للحفاظ على ديمومة كراسيها، فهم يتجاهلون ما تشهدها سوريا من ثورة شعبية عارمة على نظام بشار الذي يعد الحليف الأكبر للنظام الإيراني في المنطقة، متناسين أن ثورة الشعب السوري لم تكن لتندلع لولا الظلم والاضطهاد الذي مارسه حافظ الأسد ومن بعده ابنه وخليفته بشار الأسد، ويتجاهلون كلياً مصير حليفهم المقتول معمر القذافي، الذي عاث في ليبيا فساداً وأشبع أهلها قتلاً واضطهاداً. وقبل هذا كله يتناسون أن ثورة الشعوب الإيرانية عام 1979م التي جاءت بهم إلى كرسي الحكم ما كانت لتحدث لولا ظلم وطغيان الشاه البهلوي بحق هذه الشعوب، فإذا كانت كل هذه الأحداث لا تشكل عبرة لهؤلاء الملالي المتجبرين، فما هي العبرة التي تلفت أنظار قادة النظام الإيراني وتعيدهم إلى رشدهم، إن كان فيهم بقايا من الرشد. مما لا شك فيه أن الشعب العربي الأحوازي الذي وقع منذ 87 عاماً تحت احتلال الدولة الإيرانية، ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها ثلة من أبنائه إلى الإعدام على يد نظام الملالي، فقد ارتكب رضا شاه بهلوي في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي مجازر عدة بحق هذا الشعب، وحين تم عزله بواسطة الإنجليز وخلفه ابنه محمد رضا بهلوي، سار هذا الولد المتجبر هو الآخر على نفس النهج والمنوال في قمعه وارتكاب الجرائم بحق الشعب الأحوازي، وهذا ما فعله ويفعله اليوم نظام الخميني بحق الشعب الأحوازي، لكن هل استطاع نظام البهلوي في عهدي الأب والابن (رضا ومحمد رضا) وقف مطالب الشعب الأحوازي العادلة؟. طبعاً لا؛ ولهذا فإن ما ارتكبه الخميني من مجازر في مذبحة المحمرة في 30 أيار عام 1979م، والتي سميت بالأربعاء السوداء، وما ارتكبه من مجزرة في أيار 1985، وما بينهما وما بعدهما من مجازر لم توقف مطالب الشعب الأحوازي بحقوقه المشروعة. وهكذا هو الحال بالنسبة لما قام ويقوم به النظام الإيراني اليوم في ظل حكم ما يسمى «الولي الفقيه»، فقمع انتفاضة الأحوازيين في عام 2005م وما رافقها من سجون وإعدامات وانتهاكات ضد الإنسانية لم توقف حركة الشعب الأحوازي المطالبة بالعدالة والمساواة، لهذا فإن مسلسل الإعدامات الذي تشهده الأحواز اليوم ليس بالأمر الجديد على هذا الشعب، ولن يكون عامل تخويف ورادع لهم بقدر ما هو وقود لثورتهم التي لاشك أنها سوف تنتصر وإن اشتد الظلم والاضطهاد، فظلم الملالي لا يوقف حركة التاريخ في الأحواز.