من تابع حركة الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي منذ انكسار موجة الجدل التي سادت الشارع السياسي المصري، وفوزه النهائي على المرشح الرئاسي المنافس أحمد شفيق، وخروج هذا الأخير من حلبة السباق يجد أنها رغم الجهود المضنية التي يبذلها، والمساعي التي لم يكف عنها، لم تخرج عن الإطار التقليدي، سواء في التصريحات العلنية الإعلامية، أو ما رشح من معلومات حول نتائج الأنشطة التشاورية مع القوى السياسية المختلفة، الأمر الذي يثير علامة استفهام كبيرة أمام قدرة النظام الجديد، بغض النظر عن البرامج التي سيضعها أو التحالفات التي سينسجها، على الصمود، في وجه التحديات المستقبلية غير التقليدية التي من المتوقع أن تواجهه، على الصعيدين الداخلي والخارجي، ومن ثم جدواها في تحقيق الاستقرار والتطور، اللذين تنشدهما مصر منذ انطلاق ثورة 25 يناير. يدعونا للتمييز، بالمعايير السياسية والاقتصادية، بين ما قام به مرسي، اعتبرناه تقليدياً، وما كان متوقعاً منه وهو غير تقليدي، هو كون الأسباب التي أدت إلى ثورة 25 يناير، والقوى الرئيسة التي وقفت وراء اندلاعها ومدتها بالوقود الذي تحتاجه لاستمرارها، ومن ثم النتائج التي ولدتها، جميعها لم تكن تقليدية، بالمقاييس المتعارف عليها في فهم الثورات وأسبابها وتشخيص القوى التي فجرتها، ومن ثم فهي بحاجة إلى فهم مغاير، ومعالجة مختلفة وغير تقليدية. ولنبدأ بالظروف، التي في رأينا، خرجت عن التعريف التقليدي التي قادت إلى إشعال فتيل الثورة، والتي غالباً ما تكون، بالمقاييس التقليدية، أحد عاملين، إما سيطرة خارجية تأخذ شكل الاستعمار أو النفوذ الأجنبي، أو تنامي حدة التمايز الطبقي، والتنافر الاجتماعي، إلى درجة، في كلتا الحالتين، تقود إلى الانفجار، بعد فشل الحلول السلمية. أي من هذين العاملين التقليديين لم يكن السبب الرئيس الذي فجر ثورة 25 يناير المصرية، والدليل أن قادتها، كانوا من الفئة العمرية الشبابية التي تنتمي إلى الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة، وبعضها ينحدر من فئات ميسورة نسبياً. إذاً فالسبب لم يكن اجتماعياً بالمفهوم التقليدي للتصنيف الاجتماعي، كما إنه لم يكن نابعاً من نفوذ أجنبي ملموس يقود إلى الانفجار على النحو الذي شهدناه في الحالة المصرية. في حقيقة الأمر أن الحالة المصرية في جوهرها، كانت عبارة عن رفض عارم عام للعلاقات التي كانت تسير المجتمع المصري حينها، والتي كانت تعكس في ثناياها عن افتقاد الطبقة المتوسطة في ذلك المجتمع لمعايير حقوق الإنسان، بمعناها الشامل الذي يحتضن الحقوق الكاملة على الصعد السياسية والاجتماعية دون أن يهمل تلك الاقتصادية، التي باتت، بفضل ثورة الاتصالات والمعلومات ظاهرة مقاييسها عالمية لا يحتكرها مجتمع دون آخر، وبالتالي لا تنعم بها قوى اجتماعية في دولة دون أخرى. في نطاق جولاته الداخلية، والتصريحات التي أدلى بها مرسي، لم نجد بينها ما يشير إلى التفاتة واعية إلى هذه الأسباب الداخلية غير التقليدية، ولا تقدير دقيق للثقل السياسي للقوى التي دفعتها تلك الأسباب إلى التحول من حالة الرفض، إلى مستوى التمرد، وصولاً إلى الثورة. انحصرت تلك الجولات في القوى السياسية التقليدية، وانصبت تلك التصريحات على الحديث عن دولة “غير دينية”، دون تناول القيم الاجتماعية، والبرامج السياسية، والخطط الاقتصادية التي يخاطب صلبها الفئات الاجتماعية التي فجرت الثورة، والأهداف التي تسعى تلك الفئات إلى تحقيقها. لم نجد لدى الرئيس المصري المنتخب، في سياق تعامله مع الشأن الداخلي، ذلك الوضوح الكافي الذي يتوقف، على سبيل المثال لا الحصر، عند ظاهرة شبكات التواصل الاجتماعي، ليس عند حدود تداولها الترفيهي، وإنما في عمق دورها السياسي/ الاجتماعي، بوصف كونها عنصراً مهماً من عناصر تفجير الثورة، بعد أن تحول دورها من مجرد ناقل للحدث، إلى مصدر من مصادر إطلاقه، إن لم يكن صنعه، كي ينتقل -أي الرئيس المصري- بعد ذلك ليأخذ في الحسبان مطالب الفئات الشابة التي فجرت تلك الثورة. لقد كرس الرئيس المصري جل وقته، وكان في قمة التقليدية هنا، في الالتقاء بالقوى السياسية التقليدية، وفي الكثير من الأحيان، مع القوى الإسلامية بمختلف تلاوينها. إهماله، ربما غير الواعي للقوى الجديدة، يجرده من سلاح قوي، سيجد نفسه في أمس الحاجة له في معاركه القادمة، على الصعيدين الداخلي والخارجي. ليس الاعتراض هنا على ما يقوم به الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في تلك الجولات، وما يدلي به من تصريحات، لكن التمعن فيها ينذر بكون كليهما سلوكاً تقليدياً لم يعد فاعلاً في معالجة أوضاع مستجدة، تسيرها أسباب غير تقليدية، تفرز تلقائياً قوى اجتماعية وسياسية غير تقليدية، لم تستحوذ على ما تستحقه من اهتمام الرئيس، مما يعني أن بوصلة مرسي لا ترشده إلى الطريق السليم، الذي يقوده نحو الأهداف الصحيحة. هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي، فالأمر لا يختلف أيضاً، إذ مايزال الرئيس المصري أسير الأنماط التقليدية في معالجة القضايا الخارجية، مكتفياً بالتصريحات التي تؤكد التزامه بالاتفاقات الدولية التي وقعتها مصر، وعدم نيته في انتهاك أية بنود فيها، في إشارة واضحة لتلك الاتفاقات التي وقعتها مصر مع إسرائيل، برعاية من الولايات المتحدة. بالتالي فهو يوجه خطابه، المأسور بإطار تقليدي، من زاوية تقليدية نحو المجتمع الدولي. يذكرنا سلوك الرئيس المصري هنا بالبيانات التي كانت تصدرها قيادات الانقلابات العسكرية، مع فهمنا الواعي للفروق بين الحالة المصرية الحالية وتلك الانقلابات، إبان فترات الحرب الباردة، حين تكتفي بإعلان انحيازها لأحد المعسكرين، الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي، والغربي بقيادة الولايات المتحدة، بغض النظر عن طبيعة القوى التي قادت الانقلاب، وتوجهاتها السياسية، وبرامجها الاقتصادية. كان المهم حينها تحديد درجة الانحياز، الذي يحدد بدوره درجة التحالف مع أحد المعسكرين، اللذين سيبادر أحدهما لتوفير ما يحتاجه أصحاب الانقلاب من دعم لتأمين الحماية المؤقتة الكافية لانتزاع الشرعية الدولية في المراحل اللاحقة. تغيرت الصورة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وسيطرة نظام القطب الواحد بسيادة أمريكية على العلاقات الدولية. لكن الأمر لم يستمر طويلاً بفضل تداعي الاقتصاد الأمريكي، وبروز قوى جديدة على مسرح النفوذ الدولي من أمثال الصين والهند، بل وحتى دول صغيرة، بالمعيار العالمي، مثل البرازيل، الأمر الذي نقل العلاقات الدولية من إطارها التقليدى إلى نموذجها الجديد. لم نرصد في حركة الرئيس المصري الجديد، ما يوحي بمثل هذا الفهم الجديد الذي بات يسير بوصلة العلاقات الدولية، الأمر الذي يشير بأنه سيدخل مصر دائرة العلاقات الدولية من بوابة تقليدية لم تعد مقاييسها، ولا قيمها هي الفاعلة في تأمين العلاقات بين الدول، وعلى وجه الخصوص الصغيرة الناشئة، بالمعيار الدولي، التي تتمتع بموقع استراتيجي مهم، مثل مصر. خلاصة القول، إن السلوك التقليدي، هو الذي مايزال مسيطراً على حركة الرئيس المصري، وهو سلوك، ما لم يغيره إلى ما هو معاصر وغير تقليدي، يمكن أن يجرف مصر نحو منزلقات خطيرة تكبدها خسائر فادحة، ليست هي اليوم قادرة على تحملها