هل أن ما يحدث بين الدول الغربية والدول الإسلامية سوء فهم أم هو صراع قيم بين حضارتين؟ أم أن ما يحدث بينهما هو مواجهة تنذر بعواقب شديدة؟ ومَن هو ضحية الصراع؟ هل هم الأنبياء أم المصلحون؟ المفكرون أم المثقفون؟ أم هي الشعوب جميعاً؟ ومَن سينتصر في النهاية.. أهو الدين؟ وأي دين؟ أم هي الشعوب؟ أم أمن واستقرار الدول؟ وماذا عن آلامنا وآمالنا؟
في هذه الأيام يعيش العالم الإسلامي والغربي ضجة اصطنعتها أيد تهدف إلى تكريس الاضطراب والقلاقل بين دول العالم، وتبتغي أن تجتث السلام من على تراب الكون، بالرغم من أن جميع الأديان السماوية مصدرها إلهي واحد إلا أن معتنقيها يتخاصمون فيما بينهم وفق فهم كل شخص لدينه، ويتحاربون في جبهات متضادة حيث تسيل دمائهم فيموت البعض ويُجرح آخرون، وإذا كانت جروح الجسد تندمل وتختفي، إلا أن جرح النفس يبقى مُلتهباً طوال سنوات وقد يمتد إرثه لأجيال وأجيال من الأجداد والآباء. والعيب ليس في الأديان فهي سامية المبادئ وسماوية العطاء، لكن فهم الدين أولاً والتعامل مع الدين الآخر هو السبب ثانياً، ولو أن كل شخص فهم دينه بالشكل الصحيح والتزم بعدم التدخل في شئون الدين الآخر لسارت البشرية في أمنٍ وسلام.
ماذا نفعت الدانمرك بالرسوم المسيئة إلى نبي المسلمين؟ وماذا استفاد ذلك المسلم المصري الذي مزق إنجيل عيسى؟ وهل نستطيع أن نطفئ النار التي أشعلها البوذيين ضد مُسلمي ميانمار في الوقت التي لا تزال فيه النار ملتهبة في الهند بين المسلمين والهندوس؟ وألم تشتعل المعارك الأهلية في لبنان بسبب ازدراء الأديان؟ وكذلك الحال في الصومال وغيرها في العديد من الدول؟ فجميع الأديان السماوية خالية من الشوائب وجميعها تنبذ العنف وتدين الطائفية، والالتزام الصحيح بهذه الأديان لا يفرز تعصباً ولا إرهاباً ولكن الذل المتواصل والكرامة المهانة لأي أمة من الأمم (أياً كانت ديانتها) تفرز ذلك، بل تؤدي إلى انهيار الأمة، فعندها تصبح معتقداتها الدينية مجرد تكوينات عصابوية وطائفية. ولو قرأنا الكتب المقدسة (جميعها) ودون استثناء وجدنا أن جميعها تتحد في كل شيء، في شئون الخَلق والخَليقة، تأمر بالفضيلة وتنهي عن الرذيلة، وفي كل شيء، وعندها نتأكد أن الصراع بين الأمم والمواجهات بين أمة وأخرى ليست بسبب الأديان واعتناقها بل هناك المصالح الشخصية للناس والسلوك السيئ لبعض الدول والطمع والجشع الدنيوي هو ما أذكى نار هذه المعارك وأشعل فتيل هذه المواجهات ــ الدامية أحياناً ــ بين البشر. فالصليبيون نشروا الدمار والتدمير في الأرض تحت ذريعة مبادئ الدين المسيحي وتحرير القدس من العرب المسلمين! والخلافات الإسلامية التي جاءت بعد الخلافة الراشدية استباحت دماء الناس دفاعاً عن بيضة الإسلام!! وتوالى تأسيس المنظمات التي تدين ظلماً وعدواناً باسم الإسلام وتمارس القتل وسفك الدماء باسم الإسلام!! وباسم مبادئ حقوق الإنسان!!
وهذا العداء بين المسلمين فتح الباب لدخول الغرب إذ وجد ضالته بين هذه الجموع المتنافرة، فبالأمس كانت هذه الجموع المتنافرة متحدة قوية استطاعت بفتوحاتها ألتاريخية أن تقود العالم ولكن شيئاً فشيئاً، فقدت هذه الجموع قوتها وبدأت تنهار تدريجياً وبدأت علومها وفنونها وآدابها تتسلل إلى خارج حدودها. فأصبح رعايا الدولة الإسلامية بالأمس غزاة للدولة الإسلامية اليوم، وأخذوا يبيعوننا السلاح والعتاد لتحقيق سياستهم وديمقراطيتهم ولحماية أمنهم وتنمية اقتصادهم. كانت العلاقة بين الإسلام والغرب علاقة وطيدة وإنسانية لكن غيرها اهتمام الغرب بمصالحه وتعزيزها وهجرة الإسلام من مصالحهم وتدميرها، لم يستفد المسلمين من إسلامهم شيئاً سوى جانب العبادات، ولم يتنورا بحركتهم النهضوية والحضارية سوى تفرقهم فرقاً ومذاهب. وكلما أراد البعض من المسلمين ومن الغربيين أن يتجاوز ذلك الانكسار التاريخي بينهم ظهرت لنا سُحبٌ سوداء في الغرب والشرق، ولا يمكن أن نلقي اللوم على الغرب فقط في تخلف المسلمين وتقهقرهم فسلوك أغلب المسلمين سواء في بلدانهم أو في الغرب كان من أحد أسباب ذلك، وكان نتاجاً من عدم فهم المسلمين لدينهم تحولهم إلى مذاهب وفرق ليست مجتمعة بل متناحرة وكل فرقة اعتقدت أنها على الحق بينما الأخرى هي في الضلال، مما أدى إلى تنافس هذه الفرق والمذاهب لنيل رضا الغرب ليكونوا عوناً لهم على أبناء ملتهم ووطنهم.
إن الصراع بين الإسلام والغرب لم يكن ولن يكون بسبب الانتماء الديني، فبين الاثنين فارق زمني في الحضارة والتقدم والازدهار ويَمتد لقرون من الزمن، فكل ما يَحتاجه المسلمون اليوم من طعام ولباس وسلع وخدمات عديدة متوفر لدى الغرب. لذا لن يتمكن المسلمون باللحاق بالغرب، نعم قد يستطيعون تحقيق منجزات إذا كانوا راغبين في ذلك، بشرط توفر الإرادة التي تنتج القدرة على تحقيقها. فالغرب الجاهلي بالأمس البعيد أصبح الغرب الحضاري اليوم والمستقبل وذلك بفضل النهضة الحضارية العلمية الإسلامية التي هجرها المسلمين وتركوها ثمرة يانعة في يد الغربيين، حتى الدول الشرقية غير العربية استطاعت أن تنفض الغبار عن نفسها وتسير بجهد واستطاعت أن تحقق نهضة اقتصادية جديرة بالتأمل والتفكير.
إن غضب المسلمين الذي يُثار اليوم في بعض الدول الإسلامية بسبب تصرفات بعض المسيئين إلى الأديان السماوية هو مجرد غضب وسينتهي، لأن الصراع بين الإسلام والغرب كما قلنا ليس هو صراع ديني بل هو صراع سياسي يفتقد إلى الفهم، وهذا الفهم يتطلب وعياً، والوعي هذا يتطلب من الجانبين تحويل العداء والخصام السياسي حالة من التعايش القائمة على المبادئ الإنسانية واحترام الآخر مما يؤدي إلى تبلور مجتمع فاضل آمن يعيش فيه الجميع متحابين باختلاف معتقداتهم الدينية وأعراقهم الإنسانية. وبدلاً من أن يتجه الغرب لصناعة الأسلحة وبدلاً من أن يتجه المسلمين للبحث في كتب التاريخ المُلغم أكثرها عن الفتن والاختلافات القديمة عليهم جميعاً أن يبحثوا عن فتوحات إنسانية جديدة لتنتهي كل جولات الصراع في ذلك التاريخ الدامي الطويل الذي وتقف خلفه ذكريات مريرة لدى الجميع. فمن هو ضحية هذا الصراع؟