طرحت في مقالي الأسبوع الماضي قضية المجالس النسائية المفقودة من خارطة مجالسنا الشعبية والأهلية، والتي أخذت تلعب اليوم دوراً بارزاً في مجال تثقيف المجتمع واستضافة الشخصيات المهمة داخل وخارج البحرين، ولم يعد دورها ينحصر في إطار التواصل الاجتماعي والعائلي، بل البعض منها أخذ يتنافس حتى يدخل في قائمة القوى المجتمعية البارزة، التي تؤثر في حراك الرأي العام في المناطق والأحياء، ويعمل لهم حساب خاص في المناسبات الهامة التي تمر بها المملكة، ولكن وللأسف الشديد نجد أن أغلبية هذه المجالس الناشطة وذات الحراك المستمر تنحصر في المجالس الرجالية.
أعود لأستكمل أنواع الثقافة الجديدة لهذه المجالس، والتي طرأت اليوم في مجتمعنا البحريني، الذي ما يزال متمسكاً بثقافة المجالس الشعبية في الأحياء والمناطق السكنية المتوارثة من جيل الآباء والأجداد، فهناك إلى جانب المجالس الرمضانية التي تفتح فقط خلال شهر رمضان ظاهرة المجالس الشبابية، والتي ينظمها الشباب في مجالس منازلهم الخاصة ويفتتحونها من غير انتظام في المناسبات الهامة كرمضان والأعياد أو”الويكند” وفي الغالب يجتمع الشباب فيها للعب “الورق” و«الدامة” و«الشطرنج” و«البلي ستيشن” وتناول الشاي والمكسرات ومعظم الأحاديث تدور في الموضوعات العامة، التي تكون محور اهتماماتهم، وفي فلكهم الشبابي، كما لا تخلو جلساتهم الخاصة هذه أحياناً من “العقرة” الرجالية وتداول أوضاع المنطقة وأخبار قاطنيها أو أصحابهم، وكل ذلك يعتمد بالطبع على فئاتهم العمرية المختلفة.
أما المجالس النسائية فهي إما تندرج تحت المجالس النسائية الدينية التي تقام فيها حلقات الذكر، أو المجالس النسائية العادية التي تجتمع فيها عادة نساء “الفريج” والأهل والصديقات المقربات، وكلامنا هذا لا يعني أنه لا توجد مجالس نسائية بارزة تنظم بين فترة وأخرى، خاصة في الآونة الأخيرة، ندوات ومحاضرات مفيدة مثمرة، ولكنها وإنْ وجدت فهي قليلة جداً، ولا تغطي الحاجة المجتمعية التي نحن اليوم بحاجة لها لتفعيل دورها أكثر، لتكون متكافئة مع الدور الذي تقدمه المجالس الرجالية في تنوير العقول، وتعليم فن إدارة الحوار، وتدخل في حساب الحراك المجتمعي للرأي العام، وتلعب دوراً مؤثراً في هذا الحراك الشعبي، وإبراز الملفات الوطنية والسياسية والمجتمعية والتثقيف بشأنها.
لدينا طموح بأن تؤسس جمعية تجمع جميع المجالس الشبابية، تعمل على التنسيق بين المجالس الشبابية الموجودة على اختلاف مناطق مملكة البحرين لتنظيم الفعاليات الشبابية والسياسية والوطنية، التي تساهم في رفع مستوى ثقافة الشباب وتحريك المياه الراكدة، في القضايا الوطنية والمجتمعية والسياسية المهمة المغيبة عنهم، بحيث تنظم فعالية كل شهر “بالكثير” في أحد هذه المجالس المعروفة بالمنطقة على مختلف مناطق ومحافظات مملكة البحرين، ونقصد بالمجالس الشبابية طبعاً المجالس التي صاحبها يكون في سن لا يتجاوز الـ35 سنة، ويحضر لمجلسه شباب من الفئات العمرية التي تتراوح ما بين 18 إلى 35 سنة وحتى الأصغر سناً كالـ 15 و16 سنة، حتى وإن كان التنظيم بعدد محدود، وفي إطار بسيط جداً، فالمهم هو عنصر التواصل والمتابعة كما نحتاج لجمعية تجمع جميع المجالس النسائية التي تقوم بذات الدور أيضاً.
وأرجع لأشدد على أهمية أن تكون هناك مجالس نسائية مختلطة تضم كلا الجنسين، حتى لا تخرج سمة هذه المجالس بصبغة واحدة، لا تخدم القضايا المتداولة فيها، وحتى يكون هناك إثراء في الحوار الدائر بين الشخصيات البارزة والمهمة من كلا الجنسين، بحيث تدعم عملية تداول القضايا الوطنية والمجتمعية والسياسية وإظهار كافة الجوانب فيها.
لقد رأينا في أزمة مملكة البحرين السابقة كيف تتشتت الجهود في المناطق السكنية خاصة الحديثة، لضعف التواصل المجتمعي فيها، وكان يحدث أحياناً تضارب في الجهود المنظمة بين شباب المنطقة ورجالها، فيما النساء كن تائهات نوعاً ما، كما كانت تخرج اجتهادات شخصية لتثقيف الناس عن الوضع العام للوطن، ومساعدة المواطنين ومن احتاجوا في تلك الفترة إلى إيصالهم للمستشفيات أو حراسة المناطق السكنية، وإقامة نقاط التفتيش، وحتى في عملية البحث عن متطوعين لبعض الخدمات، وكان واضحاً أنَّ حلقات التواصل مفقودة أو غير مكتملة عكس الطرف الآخر، أي أصحاب الفتنة الذين اجتماعاتهم بالأصل تكون دورية ومستمرة، لذلك نشدد على أهمية وجود مثل هذه الجمعيات، التي تحتضن جميع هذه المجالس على اختلاف أنواعها، تحت سقف واحد، وتنظمها وتكون لديها معلومات عن أسماء أصحابها وروادها، فهذه الجمعيات ستشكل كل واحدة منها حلقة تكمل الأخرى ضمن سلسلة مجتمعية قوية تدعم النسيج المجتمعي البحريني وتجعله قوياً متماسكاً صلباً، ومن الصعب اختراقه، والأهم من هذا كله، أنْ يكون منظماً خاصة خلال وقت الأزمات “لا سمح الله” إضافة إلى خدمة التثقيف المستمرة لهم، ومدهم بأبرز القضايا الوطنية والسياسية والمجتمعية، فينشط الشارع وحراكه ضمن هذه السلسلة المتكاملة، كما هو ناشط لدى الطرف الآخر ومنظم.
شبابنا وقت الأزمة كان بعضهم يقول “اجلس ساعات طوال على أدوات التواصل الاجتماعي، أود المساهمة في الدفاع عن وطني، لكن لا أعرف ماذا أقول ولا أعرف كيف أعبر عن القضايا؟” فكان الحل السريع لهم الاقتباس، فيما لو توافرت جمعية تنظم وتدعم المجالس الشبابية، وكذلك النسائية، خاصة فئة النساء ربات المنازل، بحيث تقيم لهم بالتعاون مع الجهات الرسمية بالدولة، دورات في تعلم استخدام الحاسوب وإدارة الحوار وفنون النقاش، فإننا بالمستقبل سنشكل دولة مجتمعية أهلية قوية مترابطة من هذه المجالس الموحدة تحت سقف واحد، تدعم سفينة الوطن المتجهة نحو التنمية، وتحفظ استقرارها وأمنها، فهل من مبادرة لإطلاق مجلس أعلى يحتضن هذه المجالس البحرينية بكافة أنواعها سواء أكانت رجالية أو نسائية أو شبابية أو للعائلات البحرينية أيضاً وغيرها ويدعمها ويمولها في تنظيم الفعاليات التي تثقف المجتمع، وهو أمر سيكون مثمراً على المدى البعيد لمملكة البحرين وقبل ذلك هل من ناشطين مجتمعين لتأسيس هذه الجمعيات المقترحة التي تجمع تحت سقفها جميع الجمعيات الشبابية والنسائية ؟