من يعتقد أن الحرب على إيران لم تقع بعد فهو بلا شك مخطئ، لأنه لا يرى الكواليس والتفاصيل المتعلقة بالحرب الاقتصادية الضروس التي يشنها العالم ضد حكومة نجاد ومرشده خامنئي، الحرب الاقتصادية أكثر الطرق إنسانية لتجنب وقوع حرب نووية في حال تم ضرب إيران عسكرياً، فنظام مجنون مثل نظام الملالي قد يعمد إلى قصف جيرانه بما يمتلك من أسلحة كيمياوية ونووية كرد فعل انتقامي. في عالمنا العربي هناك أكثر من توجه فيما يتعلق بإيران، فهناك من يقول إن إيران لم تحصل بعد على سلاح نووي من تصنيعها، وهنا أتفق مع هذا القول، ولكن بالتأكيد لديها أسلحة نووية من صنع غيرها، وهناك أكثر من دولة مستعدة لبيع جزء يسير من أسلحتها النووية في صفقات سرية مقابل ملايين الدولارات. والنظام الإيراني يملك الكثير من تلك الدولارات، وأعتقد أن النظام الإيراني وعلى رأسه المرشد خامنئي يعتقد ويؤمن بأن شراء النووي لتهديد الجيران أكثر أهمية من شراء الدجاج لإطعام الجياع من الشعب الإيراني المسكين، الذي أصبح أهم أحلامه في عيد الفطر دجاجة مشوية يلتهمها بعظامها.
الحرب الاقتصادية الكونية على إيران تقودها الدول الكبيرة، فقد شددت أمريكا من عقوباتها الاقتصادية على الصناعات الإيرانية النفطية والبتروكيماوية، بل وقامت بمعاقبة البنوك اللبنانية والعراقية التي تتعامل مع إيران، آخرها بنك “إيلاف” المملوك لحليف إيران في العراق أحمد الجلبي، وشخصيات وثيقة الصلة بالحرس الثوري الإيراني، بينما حظرت كندا جميع التعاملات المالية مع البنك المركزي الإيراني، ودعت فرنسا بوضوح إلى إنهاء عمليات شراء النفط الإيراني، وعلقت بريطانيا التعاون المالي مع إيران، وهناك ضغوط أمريكية فرنسية بريطانية مستمرة على المتبقي من دول الاتحاد الأوروبي ليفعلوا نفس الخطوات، وهناك دول في جهات العالم الأربع تتفاوت في درجة أهميتها تقاطع إيران، وهنا لابد لي أن أشيد بالخطوة التي اتخذها العاهل المغربي الملك محمد السادس عندما أغلق السفارة الإيرانية وبتر أذرعها التعليمية مثل المدرسة العراقية الإيرانية في الرباط، نتيجة سعي إيران للمس بالأمن القومي المغربي.
الحرب الاقتصادية ما هي إلا مقدمات لحرب عسكرية، أعتقد شخصياً أن بوادرها بدأت تلوح في الأجواء، وأعتقد أني أسمع قرع طبولها بوضوح، فربما سنرى بعد الانتخابات الأمريكية ضربة عسكرية استباقية وقائية محددة من أمريكا أو الكيان الصهيوني ضد المنشآت النووية الإيرانية.
على صعيد آخر، فإن روسيا والصين والسويد وفنلندا وألمانيا وبعض دول امريكا اللاتينية لا تعارض القنبلة النووية الإيرانية، وتقلل من الخطر الإيراني، بل إنها تعارض أحياناً العقوبات الاقتصادية وتسعى بالخفاء لمساعدة إيران وتعارض هذه الدول أيضا أي تفكير بتوجيه ضربة عسكرية ضد ايران وهذا ما يعرقل أو يؤخر الضربة الاستباقية.
هنالك من يتحدث في عالمنا العربي عن تحالف أمريكي إيراني إسرائيلي بالخفاء، وهنا أعتقد أن هذا الحلف هو “حلف الضباع”، ذلك لأنه حلف لنهب ما يمكن نهبه من خيرات العالم العربي، لكن ما إن تتقاطع المصالح حتى يصبح التحالف الثلاثي صراعاً وفق قانون “البقاء للأقوى”، وهذا ما يحدث الآن في سوريا والعراق أمنياً، والخليج العربي ومصر سياسياً.
إن الورقة المذهبية التي تتلاعب بها إيران وأمريكا وإسرائيل مع العالم الإسلامي بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص ورقة اقترب وقت انتهاء صلاحيتها، وأعتقد أن الورقة القادمة هي ورقة “تجزئة المجزأ” حيث الحرب الإعلامية على أشدها بين التيار السلفي السني، وتيار الإخوان المسلمين السني، والتيار الصوفي السني، والليبراليون السنة، كما إن ورقة التناحر بين الشيعة الأصولية، والشيعة الأخبارية، بدأت تفوح رائحتها وعلى العرب أن ينتبهوا لما هو قادم.