توالى تبادل السيطرة على المعابر الحدودية السورية خلال الأسبوع المنصرم بين القوات الرسمية التابعة للنظام و»جيش سوريا الحر» في أكثر من موقع شملت حدود سوريا مع دول مثل تركيا والعراق ولبنان. وكان الملفت فيها عند متابعة الإفرازات السياسية للصدامات المسلحة التي اندلعت بين الطرفين، تلك التي دارت رحاها على المنافذ الواقعة بين سوريا والعراق نظراً لتضارب الأخبار بشأن الأوضاع فيها خلال فترة لم تتجاوز اليوم الواحد من جانب، ولتناقض تصريحات مسؤولين في الدولة العراقية حول ولاءات القوة العسكرية السورية المسيطرة على نقاط المعابر السورية - العراقية من جانب آخر. ففي حين تجاهل وكيل وزارة الداخلية العراقية عدنان الأسدي أوضاع معبر اليعربية قائلاً «إن الجيش السوري يسيطر على جميع المعابر مع العراق باستثناء معبر البو كمال الذي تسيطر عليه الجماعات المسلحة»، وجدنا محافظ نينوى أثيل النجيفي يصّر وعلى نحو صريح أن «الجيش السوري الحر سيطر على معبر اليعربية الحدودي بين سوريا والعراق»، مستقياً معلوماته كما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية من «مسؤولين اتصلوا من منفذ اليعربية الحدودي وقالوا إنه عند الساعة الخامسة بعد الظهر سيطر بعض المسلحين على المنفذ». الموقف المتناقض نفسه يتكرر عند تحديد الموقف العراقي من المواطنين العراقيين في سوريا؛ ففي حين نجد أن رئيس الوزراء نوري المالكي يناشد «الأمم المتحدة التدخل لحماية العراقيين الموجودين في سوريا وتسهيل عودتهم الى العراق نظراً، حسب ما نقلته وكالة الفرات نيوز العراقية، لما يتعرض له العراقيون في سوريا»، نلمس لهجة مختلفة حول الموضوع ذاته في تصريحات وزير الداخلية العراقي جواد البولاني الذي دعا بشكل مطلق ودون توجيه نداء لأية مؤسسة حقوقية «إلى حماية العراقيين في سوريا من القتل حتى لو كانوا من المخالفين للنظام الحاكم في البلد، (مضيفاً) أن العراقيين المقيمين في سوريا يتعرضون للقتل والأذى جراء أحداث العنف في سوريا ويأتي هذا القتل من قبل جماعات تمارس القتل ضدهم عن عمد بسبب عراقيتهم». الأمر يتكرر بصورة مختلفة عند الحديث عن الإفرازات السياسية للمعارك العسكرية عبر الحدود اللبنانية، حيث يتصاعد الحديث عن مشاركة حزب الله اللبناني من خلال التدخل مباشرة في تعقب الفارين من لهيب الصدامات العسكرية داخل سوريا، وممارسة بعض أشكال التحقيقات العنيفة مع البعض منهم، على خلفية التشكك في انتمائهم لقوى معارضة للنظام السوري القائم، ناهيك عن تسهيل مهمة تهريب الأسلحة التي بلغت أرقامها مليارات الدولارات عبر الحدود اللبنانية السورية المشتركة. هذا يقود إلى احتمال انتشار بذور حروب إقليمية عربية ذات نكهات طائفية باتت على الأبواب جراء تطور الأوضاع في سوريا، تنبع من مصدر طائفي واحد، حتى وإن تسربلت بأثواب مختلفة من الخارج، ويمكن أن نرصد الأبرز منها في بلدين عربيين هما العراق ولبنان، دون استثناء اندلاعها في دول عربية أخرى في السيناريوهات التالية.. فمن ناحية العراق؛ وفيما لو أحس النظام العراقي في لحظة ما أن الأمور في سوريا بدأت تنقلب لغير صالح حليفه الطائفي الشيعي، ولا نقول العربي أو السياسي، فليس هناك ما يمنع حينها من تدخل عراقي سافر أو مبطن من داخل العراق باستخدام القوات العراقية، او من خارجه بالاستعانة بالعراقيين، وهم كثر، المقيمون في سوريا أو تسللوا لها، من أجل خلق حالة جديدة من عدم الاستقرار، تربك القادمين الجدد إلى الحكم وتجعل مهامهم أكثر تعقيداً، وتسير في طرق شائكة غير تلك المتوقعة. حينها ليس من المستبعد أن تنهض الطائفة السنية في العراق انتصاراً لشقيقتها في سوريا كي تشغل نظام المالكي باضطرابات طائفية داخلية تصعّب من مهمة دخوله في حرب خارجية، وتبدأ ردة فعل شيعية عراقية داخلية أيضاً تدخل البلاد برمتها في حروب، ربما تكون محدودة الأفق لكنها طاحنة ومنهكة. ويتحول الأمر من مجرد صدام بين دولتين عربيتين إلى حروب طائفية متداخلة يصعب تحديد تخومها السياسية. هنا لا نستبعد بروز معسكرين عربيين طائفيين، تتجاوز حدود صداماتهما العراق وسوريا، وتبرز الحدود الطائفية على حساب تلك القائمة اليوم، ليس بين سوريا والعراق، وإنما على المستوى العربي الشامل. ربما يحمل التدخل العسكري العراقي الرسمي المباشر في الشؤون السورية فيه كثيراً من المخاطر ويعكس جانباً من التهور غير المحسوب العواقب، لكنه خيار مهما بلغت صعوبته قد يلجأ له العراق انطلاقاً من حسابات داخلية محضه تدفعه إلى هذا الخيار الوعر. المحزن في الموضوع والمخجل في آن هو اضطرار من يحاول رسم العلاقات السورية العراقية في حال تدهورها إلى الانطلاق من رؤية طائفية، يصعب تجاوزها، او حتى إهمالها عند رسم سيناريوهات تداعيات تطور الأوضاع في سوريا على المنطقة العربية وليس العراق فحسب. أما على الجبهة اللبنانية السورية، فسوف يجد حزب الله اللبناني في حال سقوط نظام الأسد في سوريا أن شريان الإمدادات اللوجستية المنطلق من طهران قد بتر في إحدى نقاطه الاستراتيجية التي لن يعود في الوسع حينها تعويضها، أو حتى مجرد استبدالها مؤقتاً بأخرى عبر الشريان ذاته. هنا لن يجد الحزب انطلاقاً من مصالحه الذاتية أن يهب للدفاع عن وجوده، فينخرط بشكل أشد وضوحاً وأوسع نطاقاً مما هو الأمر عليه اليوم في صدامات مباشرة مع القوى التي ستصل إلى الحكم في سوريا، والتي ستكون الطائفة السنية الأكثر حضوراً فيها. بطبيعة الحال لن يكون للدولة اللبنانية موقف رسمي يقف إلى جانب حزب الله أو حتى ضده بشكل علني مطلق، حتى وإن كان ذلك من صلب واجباتها، نظراً لطبيعة التركيبة السياسية للدولة اللبنانية التي تحولها إلى كتلة مشلولة غير قادرة على الحركة إن هي أرادت عدم تسريع حركة المياه الطائفية اللبنانية من تحت أقدامها هي. لكن البديل عن ذلك هو أسوأ منه؛ إذ من الطبيعي أن «تنتخي» الطائفة السنية في لبنان لشقيقتها السورية وتدخل في صدامات عسكرية مباشرة مع حزب الله من أجل تحويل أنظاره عن الجبهة السورية أولاً وإنهاكه في معارك محلية ثانياً. وكما تعلمنا الحرب الأهلية اللبنانية سينعكس ذلك طائفياً، ليس بالضرورة محصوراً في الطائفتين السنية والشيعية، وانطلاقاً أيضاً من مصالح ضيقة تهم الطوائف الأخرى غير المسلمة في معارك طائفية متشعبة تعيد لبنان إلى سابق عهده الذي يرجع إلى اندلاع الحرب الأهلية فيه في منتصف العقد السابع من القرن العشرين. لن نعيد إدارة الإسطوانة المشروخة التي تقول إن إسرائيل هي المستفيدة الوحيدة من مثل هذه السيناريوهات المتوقعة التي ستنهك القوة العربية من الداخل، وتعمل على تآكل عضلاتها الذاتية في معارك طاحنة، فما هو أهم من ذلك بكثير هو الثمن الباهظ الذاتي الذي سيدفعه العرب فيما لو قدر أن أخذت الأمور هذا المنحى، وتطورت الأوضاع في هذا الاتجاه، لأن الأطراف المتصارعة لن تكون حينها لبنانية -عراقية- سورية فحسب، بل ستمتد ألسنة لهب تلك الحروب في هشيم الأوضاع الطائفية العربية الأخرى النائمة الآن وبحاجة إلى اشتعال النار الطائفية المختفية اليوم تحت رماد لن يدوم طويلاً.