المتتبع للسياسة الخارجية الإيرانية منذ قيام الدولة الصفوية في مطلع (905 هـ) وإلى وقتنا الراهن؛ يجد أنها كانت على مدى هذا التاريخ الطويل سياسة معادية للعرب عامة ودول الخليج العربي خاصة، وقد تمظهر هذا العداء بأشكال مختلفة وبوضوح وصراحة تامة دون أي شكل من أشكال المواربة أو التقية التي يشتهر بها الصفويون، حيث شكل العقيدة الرسمية للدولة الإيرانية بمختلف أنظمتها التي تعاقبت على حكم بلاد فارس منذ مطلع القرن العاشر وحتى عصرنا الراهن. حُكمت إيران خلال القرون الخمسة الماضية من قبل ستة أنظمة؛ خمسة منها ملكية ونظام جمهوري واحد، ورغم اختلاف التوجهات والأساليب التي اتبعتها في سياساتها الداخلية إلا أنها جميعاً انتهجت سياسة خارجية واحدة تقوم على السعي للتمدد وبسط النفوذ في المنطقة العربية ومنطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين. إلا أن توجه هذه الأنظمة نحو المنطقة العربية كان الأكثر تركيزاً في السياسة الخارجية، وذلك لأسباب عديدة ليس أقلها المعاداة الشديدة للعرب ومحاولة إعادة ما يسميه الشعوبيون الإيرانيون بالإرث التاريخي الذي سلبها العرب من الفرس. والإرث التاريخي يتمثل بالسيادة والأراضي التي يقولون إنها كانت لإيران وانتزعها منهم الغزاة العرب بعد معركة القادسية، حسب زعمهم، والقارئ للأدبيات الإيرانية، شعراً أو قصة أو خطاباً سياسياً، يلاحظ بوضوح أن مصطلح “الغزاة “ يتكرر كثيراً في وصف المسلمين العرب الفاتحين الذين أدخلوا نور الإسلام إلى بلاد فارس، ناهيك عن الشتائم والإهانات المتعمدة التي يوجهها رجال الدين والمثقفون والساسة الإيرانيون للعرب. هذه الأدبيات قد كوّنت الفكر السياسي لرجال الدولة الإيرانية عبر القرون الماضية، وأصبح شتم العرب أمثالاً ونكتاً شعبية يرددها الرجال والنساء، الكبار والصغار، على سبيل التندر، وصار الاستهزاء بالعربي منقبة يتباهى بها الخاصة والعامة منهم. ولا يخفى أن رجال الدين الإيرانيين هم أشد الناس عداوة للعرب دون غيرهم، وقد اتخذوا من كذبة ما يسمونها (مظلومية آهل البيت) غطاءً لمعادة العرب وعلى رأسهم الصحابة (رضي الله عنهم أجمعين)، وقد وضعوا كتباً عديدة في فضائل سب الصحابة والعرب عامة، حتى أصبح فرضاً من الفروض التعبدية عندهم. وبالإمكان مراجعة كتب الشعراء والأدباء القدماء والمعاصرين من أمثال؛ رودكي، فردوسي، صادق هداية وغيرهم، ليتبين لك حقيقة هذا الأمر. إضافة إلى العديد من الكتب الدينية المعروفة التي وضعوها في تكفير الصحابة وسب العرب والتي لا يتسع المجال لذكرها. إن العداء الإيراني للعرب في الواقع هو عداء قومي - ديني مركب، ومثال على ذلك أن اليهودي أو المسيحي الإيراني مفضل عندهم على العربي الشيعي، أما الإيراني السني فهو وإن كان من غير العرب إلا أنه عربي في نظرهم كونه يترضى على الصحابة ولا يعادي العرب. ولعل في كلام المفكر الإيراني البارز والأستاذ في جامعة طهران الدكتور صادق زيبا كلاماً، الذي تناقلته الصحافة وبعض وسائل الإعلام مؤخراً، خير شاهد على بعض صور هذا العداء، فقد قال زيبا كلام صراحة: “نكره العرب وبسببهم نلعن أهل السنة.. ولا ننسى لهم القادسية.. وأعتقد أن الكثير منا سواء أكان متديناً أو علمانياً يكره العرب..”. وهذا يؤيد كلام المفكر الإيراني الراحل د.علي شريعتي من أن الدولة الصفوية قامت على مزيج من القومية الفارسية والمذهبية الطائفية، حيث تولّدت آنذاك تيارات تدعو لإحياء التراث القومي والاعتزاز بالهوية الفارسية، وتفضيل العجم على العرب، وإشاعة اليأس من الإسلام، وفصل الإيرانيين عن تيار النهضة الإسلامية المندفع وتمجيد الأكاسرة. ولم يعد خفياً على أحد ما تمارسه إيران ضد عرب الأحواز وأهل السنة من البلوش والكرد والتركمان من ظلم وتهميش وهدم للمساجد والمدارس الدينية، واعتقال وإعدام علماء الدين والمثقفين، حتى أن العاصمة طهران التي يعيش فيها أكثر من مليون مسلم سني لا يسمح فيها لحد الآن لمسجد واحد لأهل السنة. من هنا يتبين حجم معاداة العرب في الثقافة الإيرانية، وهذه ليست تهمة تطلق جزافاً، كما إنها ليست أمراً جديداً، لكنه داء قديم أصيب به الشعوبيون من الإيرانيين منذ معركة ذي قار (609 م) يوم انتصف فيها العرب من الفرس، وقد عزز هذه الكراهية موقف المسلمين العرب المؤيد للإمبراطورية الرومانية ضد الإمبراطورية الفارسية في معركة نينوى (627م)، واشتدت هذه الكراهية بعد انتصار المسلمين العرب في معارك القادسية (635م) ونهاوند اللتين تسببتا في انهيار الإمبراطورية الفارسية. وقد شهد العهد العباسي (1258-750م) أوج الحملة الشعوبية الحاقدة على العرب والإسلام، مما حمل الشعوبيين الفرس ورجال الدين الطائفيين على التحالف مع المغول لاحتلال بغداد (1258م) وقتل الخليفة العباسي، وذلك بدافع الحقد على العرب والانتقام منهم لأنهم كانوا حملة راية الإسلام الذي أسقط عرش كسرى وأطفأ نيران المجوسية. .. يتبع