ضمن البرنامج الحافل لتاء الشباب، حرصت على حضور الجلسة النقاشية التي تحدث فيها المفكر المغربي الدكتور عبدالإله بلقزيز وسط حضور بارز للشباب البحريني، وكان مدار الجلسة حول المسألة الديمقراطية في الوطن العربي وسط التحولات والانتفاضات التي يشهدها عدد من بلدانه.
القضايا التي أثارها بلقزيز كانت حساسة ودقيقة وإشكالية بسبب راهينيتها من ناحية، وبسبب تعقيدات جوانبها المختلفة، وعدم اتضاح صورتها النهائية من ناحية ثانية.
ولعل أهم ما ورد في مداخلات بلقزيز من وجهة نظري هو ما أسماه بثوابت الديمقراطية، وهي في رأيه ثلاثة ثوابت على التوالي:
- الحرية: الديمقراطية هي في الأساس حرية، وليست مجرد فعل إرادي لحظوي وليست مجرد صناديق اقتراع يحتكم إليها الناخبون، وليست أقلية وأغلبية، وإنما هي حرية واحترام للحرية، فسلطة الصناديق لا يجب أن تسمح للفائزين بضرب الحريات الخاصة والعامة، وبالتالي إعادة إنتاج الاستبداد، مذكراً في هذا السياق بالتجربة الفاشية في إيطاليا، والتجربة النازية في ألمانيا، وهما التجربتان اللتان وصلتا إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع بنسبة تفوق 80% من أصوات الناخبين، ومع ذلك كان الحزبان الفاشي والنازي حزبين غير ديمقراطيين، انقلبا على الحرية ودمرا المجتمعين الإيطالي والألماني والعالم قاطبة. مشيراً هنا إلى المؤشرات الخطيرة وراء استبداد الجماعات السياسية الدينية في البلاد العربية والتي سيطرت اليوم على الحكم في عدد من البلدان العربية، وبات واضحاً أنها لا تحتمل الحرية، مؤكداً أن كل من يصل إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع بحصوله على الأغلبية ويعتدي على الحرية فهو غير ديمقراطي ولا شرعية له، فالشرعية يجب أن تكون شرعية المحافظة على الحرية واحترام الحرية.
- التوافق هو الثابت الثاني للديمقراطية، وهو ما يسميه بلقزيز بالعقد الاجتماعي، حيث تحتاج الديمقراطية إلى اتفاق وتعاقد حول مشروع مجتمعي على نظام سياسي مدني يتوافق الناس على معماره، في الأسس والعناصر الكبري والثوابت الأساسية «التوافق حول طبيعة الدولة وطبيعة المجتمع وطبيعة الاقتصاد وطبيعة الحكم، ضمن سياق الحرية والدولة المدنية الحداثية»، مؤكداً أنه ليس من الواضح حالياً ما إذا كان الأفق الديمقراطي العربي مفتوحاً على المستقبل وسيتيح تحقيق البناء الديمقراطي على أساس من التوافق أو بناء على عقد اجتماعي ممتد، لا يمكن الانقلاب عليه في أي لحظة، خصوصاً أن العلاقة بين مكونات الحراك السياسي العربي تبدو قائمة اليوم على أساس من الغش السياسي والفبركة السياسية والكيد الإعلامي، وهذا لا يبشر بالخير.
- الفصل بين السياسة والدين هو الثابت الثالث والأخير في البناء الديمقراطي، مذكراً بأن أوروبا قد سبق لها خوض حروب على مدار قرن كامل من الزمن لتحرير الإنسان والمجتمع من التشابك بين الدين والسياسة، انتهت بالفصل الصريح بين الجانبين، مؤكداً بأننا لسنا خارج التاريخ والإنسانية لنصنع خطاً جديداً، إلا إذا كنا نتحدث عن نظام لا ينتمي إلى الديمقراطية.
والحقيقة أنه يمكن إضافة ثابت رابع أراه لا يقل أهمية عن الثوابت الثلاثة التي أشار إليها بلقزيز هو أن التغيير السياسي الاجتماعي الديمقراطي يجب أن يتم ضمن أفق وطني، وعن طريق أدواته الذاتية الوطنية، بما يضمن أصالة التغيير والإصلاح، وصورته الوطنية واستقلالية القرار الوطني، ولذلك أرى أن المعارضة التي تتواطأ مع الأجنبي وتضع نفسها على ذمته، وتستنجد به لا يمكنها أن تصنع أو تبني الديمقراطية، وأن المعارضة التي تبحث عن الدعم الخارجي في صراعها مع السلطة الوطنية، هي معارضة مزيفة وفاقدة لأي شرعية وطنية، عندما تكون مستعدة من أجل الوصول إلى السلطة إلى بيع الوطن بالجملة والتقسيط.
همسات:
- كانت أسئلة الشباب الحاضر في مجملها متفائلة دقيقة، وواثقة من أن المستقبل هو للحرية وللحداثة والأصالة الوطنية، وأن الديمقراطية يجب أن تبدأ من التربية الأسرية والمدرسية ومن السلوك اليومي. وكانت مواقف الشباب مع الحرية والإصلاح والتقدم وضد الاستبداد السياسي والديني والذكوري أيضاً.
- غياب شباب المعارضة صوتاً وصورة عن هذه الفعالية كان لافتاً، ومؤسفا في ذات الوقت، فالديمقراطية تبنى في العقول بداية وليس في الشوارع والساحات.
- من بين تساؤلات بلقزيز على هامش المناقشات: أين هو ميدان التحرير الآن؟ لماذا ابتلع صوته؟ هل هو من يحكم اليوم؟ وهل هو من يؤثر في الحكم؟ ولماذا اختفى مع وصول الجماعات الإسلامية إلى السلطة؟
- المستشرق الأمريكي البريطاني برنار لويس يقول: «المسلم الممتلئ بروح الأمة السامية، والذي لا يتصور نفسه إلا سيداً للعالم يجد صعوبة في الأخذ عن الأمم «الكافرة» أو تقليدها في صنائعها وأنماط حياتها. ولذلك فالديمقراطية ستظل نبتة غريبة وذابلة في أرض المسلمين، بسبب ثقافتهم السياسية التي تحل فيها قيم الطاعة محل الحرية، والمؤمن بدل المواطن، والأمة محل الفردية، هذا إذا استثنينا الحالة التركية التي تقدم نموذجاً ملهماً».