بين الفينة والأخرى تطلّ علينا منظمات الصحة العالمية بتخويفات وتهويشات غريبة، وفي كل مرة تحذر من تفشي أوبئة وأمراض خطيرة، ستقضي على الجنس البشري. بعضها ربما يكون حقيقياً أمرها، والكثير منها مشكوك في وجودها أصلاً، وبما أن غالبية الناس “ونحن منهم” لسنا من أهل الاختصاص، سنظل نصدق كل ما يقال في هذا الجانب.
كم هي الأمراض التي أشيع عنها ذلك الحديث المهول من الأخطار؟ كم من الأرقام المهولة التي تصدرت وكالات الأنباء الدولية ومنظمات الصحة العالمية حول خطر تلك الأمراض الخطيرة والفتَّاكة؟ كم عدد الأمراض والأنواع الغريبة والنادرة التي مرَّت على البشرية منذ نحو 3 عقود من الزمن حتى يومنا هذا؟
قبل يومين فقط قرأنا الخبر التالي “قال خبير فى علم الأوبئة، إن مسؤولي الصحة الأمريكيين أرسلوا تحذيرات إلى 39 دولة أقام مواطنوها فى متنزه “يوسمايت” الوطنى هذا الصيف وربما تعرضوا للإصابة بفيروس “هانتا” القاتل الذى تنقله الفئران، وقال الدكتور ديفيد وونج، فى مقابلة مع وكالة “رويترز”، إنه من بين عشرة آلاف شخص يعتقد أنهم عرضة لخطر الإصابة بمتلازمة فيروس “هانتا” الرئوي بسبب إقامتهم فى “يوسمايت” بين شهري يونيو وأغسطس الماضيين، فإن نحو 2500 يعيشون خارج الولايات المتحدة”.
كل يوم يطلون علينا بنوع جديد من الأمراض، ويحذروننا منها. هناك إنفلونزا الخنازير والطيور، وهناك جنون البقر “وهل هناك بقرة عاقلة؟”، وأخيراً وصلنا مرض “متلازمة فيروس هانتا الرئوي”!!
نحن نجزم أن الكثير من الأمراض المعاصرة، لها علاقة بطبيعة حياة البشر في عصرنا الراهن، فالأغذية المعدلة وراثياً وطبيعة الأطعمة وأسلوب الحياة المخملية الجديدة، وسهولة انتقال البشر عبر القارات في دقائق معدودات، وتلوث البيئة والاعتداء عليها، جعل الأمراض تتزايد وتنتشر. هذا الأمر لا خلاف عليه، لكن كل إشكالنا هو في مسألة التهويل والتوقيت الذي يُطرح فيه هذا المرض أو ذاك.
ما نلاحظه اليوم، أن غالبية الأمراض عادة ما تطرح في مواقيت معينة وحساسة، لها علاقة مباشرة بتفجر الأوضاع السياسية في العالم، وتزايد الغضب العالمي تجاه واشنطن وحلفائها، أو حين تتدهور الأوضاع الاقتصادية الرأسمالية العالمية من جهة أخرى، فيضطرون حينها لتخفيف هذه الضغوطات العملاقة عليهم، من إسكات الشعوب وإلهائها بمثل هذه القضايا، ومن جهة أخرى، يحاولون سد العجز الاقتصادي وقضايا التضخم المالي الذي يعاني منه الغرب، خصوصاً بعد الأزمات المتلاحقة لانهيارات السوق والنظام الاقتصادي الغربي عامة، وذلك من خلال التكالـــــــب على شــــراء أدويــــــة لأمراض وهميـــــة أو مبالغ في تصـــــويـــــــرها من مصانعـــــهم المفلســـة، بترليونات الدولارات.
أصبحت منظمة الصحة العالمية هي الناطق الرسمي لمدراء ورؤساء خزائن الدول الغربية، وهي المتحدث الفعلي للمصارف الأمريكية والأوروبية، أما نحن فليس لنا من خيار سوى المثول لقراراتهم، وشراء الأدوية والمعدات الطبية التي لم ولن نستخدمها على الإطلاق!
من المؤكد أن وسائل الإقناع والمنهج العلمي الذي ستطرحه منظمة الصحة العالمية حول خطورة هذا المرض الجديد أو ذاك، ستكون ذات حبكة علمية وطبية رصينة، وربما يصدقه الأطباء والمختصون ومعهم كل الناس، لكن هذا لا يعني ألا تظل الشكوك مكانها، تحوم حول نوايا منظمات دولية وإنسانية وطبية تحركها واشنطن والمصالح الرأسمالية العالمية الجشعة.
هناك أمراض، نحن لا ننكر ذلك، لكنها أمراض جاءتنا بفعل صناعة حضارة مادية ونفعية بحتة، فمن أفسد طعامنا وزراعتنا وبيئتنا وقيمنا وهواءنا سوى العالم المتقدم؟ من الذي أشعل الحروب والدمار والفتن وأسس لسرقات الشعوب سواهم؟
هناك أمراض حقيقية تصيب الأجساد، لكن هنالك خلف المحيطات الكثير من الأمراض النفسية، لبشر يحيكون كل أشكال الدمار والخراب لدول يطعمونها في النهار، ويحلبونها ويذبحونها في الليل.
مليارات الدولارات، طارت من خزائن العرب إلى شركاتهم الطبية المفلسة، بسبب إنفلونزا الخنازير، ونجح الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الوصول إلى سدة الحكم، أما اليوم ومع قرب الانتخابات الأمريكية، سنجد أنفسنا نذهب زحفاً إلى الصيدليات، لشراء دواء باهظ الثمن لمرض وهمي، يذهب كل ريعه لخزائن البيت الأبيض وتجار أوروبا، ونحن هنا ومن خلف الستارة نقول “مبروك ياكم ولد!!!”.