اسمه حسام الحداد، مراهق يبلغ من العمر 16 عاماً، من سكنة المحرق، يوم الخميس 16 أغسطس 2012 – أي قبل عيد الفطر بيومين - توجه لاستلام شهادة شكر مصحوبة بـ 100 دينار من المسؤولين القائمين على المعسكر الصيفي للأكاديمية الملكية للشرطة التابع لوزارة الداخلية كتكريم له، ويقوم برنامج المعسكر على عدة أهداف أهمها تعزيز الشعور بالولاء والانتماء، والمواطنة لدى المشاركين من الأطفال والمراهقين من خلال برنامج يتضمن محاضرات وعدداً من الزيارات الميدانية لعدة جهات رسمية، من أجل تفعيل مبدأ الشراكة المجتمعية، وبالطبع جميع المشرفين على هذا البرنامج والقائمين عليه من موظفي وزارة الداخلية بضباطها وأفرادها المخلصين.
لم تمض 24 ساعة على تكريم الحداد، وشكره على ما تعلمه من مبادئ وطنية، يقوم عليها هذا البرنامج لتطبيقها في المجتمع، وفي حياته العملية والعلمية ووداعه للقائمين عليه “منهم ضباط ورجال شرطة بالطبع” الذين شكروه وقدموا له شهادة شكر و«عيدية الـ 100 دينار” في جو عائلي لا يخلو من روح المودة والمحبة، كما هو واضح لمن يتابع علاقة المشاركين بالقائمين على البرنامج ليفرح بها بالعيد شأنه شأن بقية المشاركين معه، لم تمض 24 ساعة، ليخرج في اليوم التالي، يوم الجمعة 17 أغسطس مع عدد من المتجمهرين في منطقة المحرق، لرمي المارة ودورية الشرطة بالزجاجات الحارقة “المولوتوف” وكأنه كان بذلك يشكر من منحه “العيدية” التي أخذها، برد آخر، ومنحهم عيدية ولكن من نوع آخر “عيدية حارقة مدفوعة الأجر من ممولي الإرهاب والمستغلين للأطفال والمراهقين في أجندتهم السياسية الهادمة”، مما استدعى التعامل معه ومع جماعته، لصد هجومهم الإرهابي ضد رجال الشرطة، الذي يأتي كمحاولة قتلهم حرقاً، فأسفر عن ذلك تعرضه لإصابات أدت للأسف لوفاته. وقد أثبتت وحدة التحقيق الطبي الشرعية ومختبر البحث الجنائي أنه لا توجد على جثته أي كدمات أو إصابات تبين وجود اعتداء عليه، أي أنه توفى نتيجة محاولة رجال الأمن الدفاع عن الهجوم الذي تعرضوا له من هؤلاء المتجمهرين.
قامت الدنيا ولم تقعد على وفاته، وكأن وفاته كانت “الإشارة المنتظرة” التي تأخرت كثيراً لبدء مهرجانات الفوضى و«عيد الغضب” والتغطيات الإعلامية المفبركة على القنوات الإيرانية، وتصدير البيانات المغلوطة لمنظمات حقوق الإنسان والطفل العالمية، حتى وسائل التواصل الاجتماعي امتلأت بصوره، وصاحب ذلك دعم كبير من “الوفاق” وزمرتها، وكان الواضح لمن يتعمق ويحلل طريقة المعالجة الإعلامية للقصة، أن العدة وبرنامج “العيد الإرهابي” كانا مجهزان بالأصل مسبقاً لحدث كهذا، وكان ما يقيدهما فقط هو “سقوط قتيل”، حتى يكون كمسمار جحا في مهرجانات الفوضى، لضرب الاقتصاد والسياحة خلال فترة العيد، والتغطية على الأعمال الإجرامية التي قامت قبل فترة العيد أمام الرأي العام العالمي.
الشهيد الثاني اسمه أحمد الظفيري عمره 18 سنة من منطقة مدينة حمد، كان يستعد لإنهاء الثانوية العامة، والبدء في أولى خطوات المستقبل الفعلية، في 18 أبريل الماضي، وجد عدداً من الإطارات المحترقة تغلق الطريق المؤدي إلى منزله في الدوار 18 بمنطقته السكنية، وعلى ما يبدو، ومن باب روح المسؤولية الوطنية و«إماطة الأذى عن الطريق” الذي دعا إليه رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام الذي بين أن “إماطة الأذى عن الطريق” مثل الصدقة وكشعبة من شعب الإيمان، لم يكن يدري المسكين وقتها أن الإطارات مفخخة بجسم غريب، انفجر فيه مما أدى لإصابته بحروق جسيمة بلغت نسبتها 72% لينقل بعدها إلى الأردن لاستكمال العلاج اللازم، إلا أنه توفي متأثراً بجراحه البالغة كما ذكر الأطباء بالأردن بعد بذلهم قصارى جهدهم لإنقاذه.
توفى الظفيري وهو أيضاً مواطن بحريني، شأنه شأن الحداد الطفل أو “المراهق” كما يذكرونه، وليس من رجال الأمن “المرتزقة” كما هو متداول في عرف “الوفاق وزمرتها الإرهابية” بل “مراهق” في آخر سنوات مراهقته تفصل السنين بينه وبين “شهيدهم الحداد” المراهق، سنتين فقط، استشهد الظفيري، وقد كان بالمناسبة مراهقاً بالاسم فقط، فيما فعله كان واضحاً أنه ناضج “وطنياً وسياسياً واجتماعياً وحتى دينياً”، ويتحلى بروح المسؤولية، فيما “مراهقهم” الحداد كان واضحاً أنه ما يزال يمر بمرحلة “المراهقة والطفولة السياسية” غير الناضجة والبعيدة عن تعاليم الدين والمسؤولية الاجتماعية نحو الآخرين!!.
لم نر أي بيان يصدر من “الوفاق” ولا المناضل الحقوقي نبيل رجب، ولا ندري إن كان البيان يصدر وفق معايير وشروط لديهم، أهمها طائفة ومذهب المتوفى، وهل يمتلك مؤهلات في رمي المولوتوف أو شهادات عليا في تصنيعها أو خبرة لا تقل عن خمس سنوات في حرق الشوارع وإرهاب الناس، لا ندري، لكن ما نعلمه جيداً أننا لم نجد أي أخبار متداولة حتى على وسائل التواصل الاجتماعي بخصوص وفاته، إلا من أولئك أصحاب الضمائر الميتة، الذين ذكروا أن جثته تخلو من أي إصابات تذكر، وأن هناك “ريبة في مسألة وفاته” كعادتهم في حال تداول خبر وفاة أي مواطن، بعيد عن دائرة مخططهم الذي يعبث بحياة الناس ورجال الشرطة.
الفرق بين الشهيد “المحترق” و«الشهيد الحارق”، وسيناريو وفاتهما واضح تماماً للطرف المحايد، الذي يتابع كلا القصتين، الحداد كرم وحصل على “عيدية” من وزارة الداخلية نفسها التي حاول قتل رجالها حرقاً في اليوم التالي من تكريمه كرد للجميل والواجب الذي بذلوه تجاهه، توفي فوراً ولم يعان كما عانى الظفيري من حروق خطيرة بنسبة مرتفعة جداً، وظل لعدة أشهر يتألم منها، حتى وافته المنية أخيراً كرحمة من الله له.
الظفيري الذي حاول خدمة وطنه والدفاع عن مواطنيه بالتطوع لدحر الأذى عن الطريق كصدقة كان مصيره المعاناة مع إصابته، وجراحه فترة الشهرين تقريباً، ثم الوفاة بعيداً عن أن ينال رتبة “شهيد الوطن” في عرفهم وقاموس الشهادة لديهم. هذا هو الفارق بينه وبين “الحارق” الذي يشعل النار، ويفر هارباً متلثماً، وبين رجل الإطفاء الذي يحاول أن يطفئ النار، وينقذ الأبرياء المحترقين بداخل المكان، حتى وإن كان الثمن في ذلك حياته، كلاهما من المواطنين لكن الفرق بينهما نية الفعل.
مصادفة القدر وحدها جعلت من حاول إشعال النار والهرب أن يتذوق ولو لفترة قليلة لا تنافس في ذلك فترة “وجع الظفيري”، طعم الموت الذي كان سيذيقه للآخرين، وأن يستشعر معه في ذلك أعوانه الملثمين بلثام الإرهاب والقتل.
إلى اليوم لا نجد تفسيراً واحداً يجعلنا لا نتهمهم بمسألة “طائفية الحقوق” و«المراهقة والطفولة” لديهم.
ولما الظفيري وهو المواطن العادي لم يدخل قائمة شهدائهم باسم الطفولة والمراهقة؟ شهداء البحرين، شهداء قتلوا على يد مرتزقة و«طبالة “ يعبدون الدينار الذي يرمى عليهم لإحراق البلد بالإطارات والمولوتوف؟ ولما لم يصدر بيان واحد تجاهه إلى المنظمات الحقوقية العالمية لتدويل قضيته كما الحداد؟.
همسة:
فليعذرني الجميع على عنوان المقال، فنحن كبحرينيين نحزن على كل دم يسفك، حتى وإن كان دم مواطن أراد إلحاق الأذى بالآخرين، فهو بالنهاية أخونا في المواطنة، ولا طائفية لدينا في الموت، كما أعتقد أن الوضع الطبيعي “لمفهوم الشهيد” وتعريفه في الدين بعيد جداً عمن يحاول قتل الناس لذلك نعتذر على تسمية الحداد بالشهيد!!