يبدو أن الأيام الحلوة للدجاج في إيران ستنتهي قريباً بمجزرة، فبعد أن أصبح الدجاج ينافس الطاووس الفارسي ثمناً ومكانة، حيث يستعصي على الفقير ومتوسط الدخل الحصول عليه أو حتى مجرد التفكير به بسبب ارتفاع سعره، أصبح الآن يذبح بالجملة وبلا حساب، لإطعام وفود قمة حركة «عدم الانحياز» التي تسعى إيران بشكل حثيث لتكسب من خلالها مكاسب دبلوماسية باستضافة القمة التي تضم 120 دولة، إيران المنحازة جداً في تعاطيها السياسي مع العالم الخارجي ستصبح ولمدة ثلاث سنوات رئيسة دورية لحركة «عدم الانحياز» مما قد يتيح لها فرصة تعزيز وضعها الدولي.
شخصياً، أعتقد أن القمة لن تأتي بالكثير، فقمة «عدم الانحياز» عرجاء وربما مقعدة، حالها من حال هياكل سياسية كثيرة في أرجاء «المخروبة» وفي مقدمتها جامعة الدول العربية، إلا أن انعقاد القمة تحت عباءة المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي قد يساهم في إيصال رسالة داخلية للشعب الجائع، بأن واشنطن أخفقت في عزل نظام الملالي عن بقية العالم.
وإلى وقت كتابة هذه السطور، لم يعلن جميع رؤساء الدول الأعضاء مشاركتهم في أعمال القمة، بينما أعلن نحو 35 من رؤساء الدول أو الحكومات من أعضاء الحركة أنهم سيشاركون فيها، الدول والحكومات المشاركة تتفاوت في درجة أهميتها، من دول نامية عملاقة مثل الهند إلى جزر متناهية الصغر بمنطقة الكاريبي، وتضم قائمة الحضور رئيس مصر محمد مرسي وهو أول زعيم مصري يزور إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979، ولا أعرف هل حضور قمة ليست بتلك الأهمية لمصر أكثر أهمية من معالجة عشرات الملفات العالقة في المحروسة حرسها الله من كيد الكائدين، ولكن مرسي رئيس منتخب وهو أدرى بمصلحة بلاده؟
للأمانة فإن على الوفود التي تحضر القمة وتعدادهم 7000 شخص، أن يعرفوا أن الدجاج الذي سيتناولونه يعتبر أحد أحلام المواطن الإيراني البسيط، الذي يعيش بين سندان قمع الحريات ومطرقة الجوع، وعلى كل من يحضر ألاَّ ينسى أن إيران أول بلد في العالم لا يطبق مفهوم «عدم الانحياز»، ولا يطبق الوسطية، وأن الحركة التي أنشئت وتأسست إبّان انهيار النظام الاستعماري، ونضال شعوب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها من المناطق في العالم من أجل الاستقلال، وفي ذروة الحرب الباردة، وكانت جهود الحركة منذ الأيام الأولى لقيامها عاملاً أساسيًا في عملية تصفية الاستعمار، لا يمكن أن تكون برئاسة دولة مستعمرة ومحتلة للجزر الإماراتية، ولأجزاء من العراق، ولجنوب لبنان وسوريا، وتقمع الحريات لمكونات شعبها، العربية والبلوشية والكردية والتركمانية والآذرية، فأي «عدم انحياز» هذا الذي يتقدمه نظام منحاز حتى النخاع إلى سياسة البطش والترهيب والإرهاب والديكتاتورية؟!
وبصفتها الدولة المضيفة للقمة، سيفتتح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أول كلماتها، ونبتهل هنا لله تعالى أن يلهمنا الصبر على سماع تصريحاته الصاروخية، ومن المرجح أن تشتمل كلمة نجاد على عبارات تؤكد حق إيران في الحصول على تكنولوجيا نووية سلمية، وتدين التهديدات العسكرية للكيان الصهيوني لها، وتشجب احتلال الأراضي الفلسطينية، كذلك سيحاول نجاد دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد كالعادة، وهذه تصريحات مستهلكة، والمقصود منها الاستهلاك الإعلامي ليس إلا. فحق إيران في امتلاك تكنولوجيا نووية لم يكن ليصبح جدلاً لو كان نظام الملالي نظام عاقل وغير متهور ولا يشكل تهديداً لجيرانه والمنطقة، وتهديدات الكيان الصهيوني يقابلها تهديدات أيضاً من نظام الملالي والنظامين في العدوانية سواء، واحتلال فلسطين لعبة قديمة جديدة، تستخدمها إيران لتغطية جرائمها في العراق وسوريا ولبنان والخليج العربي واحتلالها لأراضٍ عربية، ولعل دعم إيران لنظام البعث السوري هو أكبر انحياز وتطرف.
ختاماً، لابد من الإشارة إلى أن التصويت الذي أجرته الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار يدين استخدام الحكومة السورية للقوة مع شعبها، وجد أن 70 عضواً من أعضاء حركة «عدم الانحياز» أيدوا المشروع نظراً لأن أعضاء حركة «عدم الانحياز» لديهم سجل طويل من معارضة التدخل في الشؤون الداخلية للدول النامية، وهذه الخطوة تعد إظهاراً غير مألوف للاشمئزاز الذي تشعر به الغالبية من عنف نظام الأسد ضد شعب سوريا العظيم.
على أية حال، أعتقد أن إيران وإن كانت تريد تحقيق مكاسب سياسية من القمة، فإنها ستضطر لتجرع مرارة تقبلها لأن تنتهي القمة بإدانة الحكومة السورية، ولعل الضغوط التي واجهها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عند قبوله الدعوة، وتصريح وزارة الخارجية الأمريكية حين قالت إن إيران ليست «أهلاً» لدور المضيف وستحاول «استغلال المشاركين» أكبر دليل على أن القمة لن تخرج بشيء جديد، وكل عام والدجاج في متناول الشعب الإيراني المسكين.