قد تكون هنالك مفارقة على الصعيد النظري بين القول إن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم الإصلاح والديمقراطية في البلدان العربية من ناحية، وبين انخراطها -على الأقل في مرحلة إدارة أوباما- في التوافق مع الإسلاميين (شيعة وسنة) في كل من تونس والعراق ومصر ولبنان وربما حتى في الخليج؟ لكن الواقع العياني يقول غير ذلك؛ فالولايات المتحدة الأمريكية حتى في أوج قوتها وعنفوانها وجدت نفسها مضطرة للتحالف مع الإسلاميين الجهاديين في أفغانستان في سبيل تدمير الاتحاد السوفياتي السابق وإنهاكه، فكان بن لادن وحكمتيار وغيرهما من الأسماء البارزة في هذا الحلف الذي أعيد توصيفه بعد اعتداءات 11 سبتمبر تحت عنوان آخر وهو الإرهاب. كما إن إدارة أوباما الحالية لم تر مانعاً من أن يتولى حزب الله في لبنان (وهو مصنف رسمياً كمنظمة إرهابية في أدبيات الخارجية الأمريكية) إدارة الحكومية اللبنانية وتشكيلها في مقابل التهدئة في الجنوب وعدم تهديد حالة الستاتيكو في المنطقة، وقد كان بإمكان هذه الإدارة لو أنها رغبت في ذلك أن تعرقل هذا التشكيل بكل الطرق لو كانت حساباتها تؤشر إلى ذلك الخيار.. كما ان الولايات المتحدة الأمريكية لم تر مانعاً من التحالف مع الملالي في إيران إبان الحرب على العراق وأفغانستان معا، عندما كان واضحاً إن هنالك حاجة ماسة لهذا الحلف لاستخدام الأراضي والأجواء الإيرانية في تلك الحرب، وها هي إيران اليوم تريد الحصول على حصتها من تينك الحربين. اليوم؛ وبعد مرحلة الخوف من الإسلام السياسي، وجدت الإدارة الأمريكية نفسها منساقة وراء نزعتها البراغماتية في النظر إلى التحولات الحاصلة في بلدان الربيع العربي، لأنها غير معنية في هذه المرحلة بالتنازع الإيديولوجي مع الإسلاميين، فالبدائل عن الأوضاع القائمة او التي كانت قائمة إسلامية (سنية أو شيعية) هي نتيجة مباشرة لسياسة الأنظمة التي لم تتح أي فضاء سياسي لظهور الديمقراطية أو لنمو الحرية أو نشوء تيارات ديمقراطية قوية وفاعلة ومؤثرة، وتبدو مجاراة اتجاه الريح اليوم ناجمة عن قراءة للتجربة السابقة التي كانت فيها الأنظمة تحذر من الجماعات الإسلامية كفزاعة وتربط بينها وبين الإرهاب، إلا أن هذا المنطق لم يحل دون حدوث التغيير في تونس ومصر وليبيا واليمن -مع اختلاف الأوضاع بينها-، لذلك ثمة حاجة واضحة اليوم لتشيع أي نوع من الإصلاح السياسي الذي يساعد على خلق بدائل للنخب السياسية التي كانت قائمة ولم تنجح في التقدم على طريق الديمقراطية والتداول على السلطة. كثيراً ما كان بعض القادة في المنطقة العربية يجادلون في ضرورة فرض رقابة مشدّدة لمنع الإسلاميين من الوصول إلى السلطة، غير أن الوقائع بينت أن الانتفاضات في بلدان الربيع العربي لم يقدها الإسلاميون -بل ركبوا موجتها لاحقاً- وكان الشعب الغاضب هو الذي يوجهها. كما إن جهود الولايات المتحدة الأمريكية لتشجيع الإصلاح لم يكن لها في الحقيقة أي تأثير فاعل في هذا التغيير الذي حصل، وأن “برامج دعم الديمقراطية”، لم تقدم سوى برامج مرتجلة وسطحية ومشبوهة بالمسبة لمجمل الرأي العام الرسمي والشعبي، ولذلك لم تساعد على خلق عملية إصلاح ذات مصداقية، ولذلك نستطيع القول إنه وباستثناء الحالة الليبية -التي لها اعتبارات مختلفة- فإن الذي قاد إلى التغيير هي الظروف الاجتماعية - الاقتصادية الصعبة وتهميش الشباب وانتشار الفساد والتسلط وفقدان الأمل في المستقبل. أما على صعيد موقف التيارات والجماعات الإسلامية التي صعد نجمها فقد تباينت مواقفها من الموقف مع الأمريكان، فمن متوجس من كون المسألة لا تعدو كونها محاولة لتدجينها وإدماجها في فلك القوى السياسية المتأمركة والمطبعة مع المشروع الصهيوني. فيما يرى البعض أن الحركة الإسلامية لن تخسر شيئاً بتواصلها وتعاونها مع الأمريكان، أكثر مما تخسره فعلاً من خلال بعدها عن مراكز التأثير في عملية الحكم والإدارة ببلدانها، خصوصا أن القوى الإسلامية المؤثرة حالياً طبيعتها قوى إصلاحية براغماتية تفاوضية سوف تكون مستعدة للحوار مع الغرب، خصوصا أنها تحتاج إلى دعم الغرب لها على الأقل لتحقق النجاح المنتظر. كما إن التيار الإسلامي المعتدل، ينطلق من كون الدين الإسلامي هو أفق للتواصل والانتشار والانفتاح، ولعل الواقع اليوم موات لاستغلال الظرف الدولي الراهن، وغطاء الانفتاح والإصلاح الذي أعلنته أمريكا على الخصوص في العالم العربي بما يمكن من الظهور على الساحة العالمية كطرف معترف به، بعد سنين طوال من الحرمان والإقصاء والتهميش والخوف منها في الغرب في ضوء تأثيرات الراديكالية الإسلامية التي قادها تيار القاعدة خلال السنوات العشر الماضية.. .. وللحديث صلة