أشرنا في المقال السابق إلى بعض مظاهر التعالي والتكبر عند طبقة المعممين الإيرانيين (رجال الدين) على عامة الناس، إضافة إلى الممارسات والأعمال المنافية للشرع والقانون التي يرتكبها المعممون وأبناؤهم والمقربون منهم، وليس أقل من هذه الأعمال مشاركتهم النظام السياسي في الجرائم مقابل الحصول على مكاسب ومنافع مادية وسياسية، إضافة إلى الحصانة التي منحهم إياها النظام والتي جعلتهم مميزين في كل شيء حتى في تطبيق الحدود التي أنزلها الله بحق السارق والزاني والقاتل وغيرها من الحدود والأحكام الأخرى. ومن الحوادث التي يمكن الإشارة إليها في هذا الشأن، على سبيل المثال لا للحصر، قضية ممثل خامنئي في مدينة تويسركان بمحافظة همدان، وهذه الحادثة خير دليل على أن النظام قد منح المعممين ميزة تجعلهم معفيين من العقوبات التي تطبق على غيرهم من عامة الناس، وتكشف أيضاً عن مدى فساد هؤلاء المعممين. ففي أحدث ما كشف عنه من فساد الملالي في إيران قيام أحد مسؤولي مكتب ممثل الولي الفقيه ومرشد الثورة علي خامنئي في محافظة همدان المدعو حجة الإسلام والمسلمين حسن گلستاني بارتكاب فاحشة الزنا بامرأة محصنة، ورغم ضبطه متلبساً بالجريمة، حيث جرى تصويره وهو يمارس فاحشة الزنا مع أحد نساء العاملين في مكتبه، وتم نشر الفيلم عبر مواقع الإنترنت، واعتراف هذا المعمم بجرمه الذي حاول في البداية الادعاء بأنه قد أجرى عقد «المتعة» مع المرأة المذكورة، لكن بعد إثبات أن المزني بها كانت على ذمة رجل وأن الزاني كان على علم بذلك كون زوجها صديقاً له وعاملاً في مكتبه، فإن محكمة رجال الدين اكتفت بالحكم عليه بمائة جلدة فقط وإبعاده إلى أحد المناطق النائية دون تجريده من منصبه!. علماً أن قانون العقوبات في إيران ينص على تطبيق الرجم أو الإعدام شنقاً بحق الرجل والمرأة ممن يثبت ارتكابهم جريمة الزنا وهما محصنان، لكن محكمة رجال الدين في إيران لديها قانون عقوبات يختلف عن القانون المعمول به في المحاكم العامة، وهذا يظهر تمتع الملالي بالحصانة التي أشرنا إليها. إن هذه القصة ما هي إلا نقطة في بحر من الفساد والجرائم التي يعوم به الملالي الممسكون بالنظام والسلطة في إيران، وأن المتتبع للأرقام والإحصائيات التي تقدم عن الجرائم والمفاسد الأخلاقية مثل؛ انتشار ظاهرة الإدمان على المخدرات بين الجنسين، وارتفاع أرقام حالات الانتحار، جرائم السرقة، القتل العمد، وأرقام الإعدامات في هذا البلد يدرك مدى دور هؤلاء الملالي فيما وصلت إليه إيران من تردي الأوضاع. ولا يخفي بعض هؤلاء الملالي دور نظرائهم في ما وصلت إليه الأمور، فهذا المرجع البارز آية الله عبدالله جوادي املي يصرح بملء فمه أن القضاء الإيراني يعاني من الرشوة والفساد، وأن الإدمان على المخدرات أصبحت آفة تفتك بالمجتمع الإيراني، هذا التحذير دفع برئيس مجلس صيانة الدستور الملا أحمد جنتي، ومن على منبر صلاة الجمعة في جامعة طهران، إلى الاعتراف بفساد السلطة القضائية وجهاز الشرطة، ولا يخفى على أحد أن الشرطة والقضاء هما صماما الأمان في أي بلد وإذا فسدتا فإن البلد يكون قد ضاع بسبب انعدام الأمن وفقدان العدالة، ولا يخفى على أحد أيضاً أن هذين الجهازين هما تحت إمرة رجال الدين. قد يقول قائل؛ إننا ومهما اختلفنا مع هؤلاء الملالي ونظامهم الإجرامي فهذا لا ينفي أن هؤلاء بشر وبالتالي فهم يحملون نفس الغرائز التي يحملها سائر الناس، وقد يكون ما ترتكبه هذه الطبقة من جرائم وفواحش ليس أكثر مما يرتكبه الآخرون؟! نقول نعم؛ لكن هؤلاء الملالي قد وضعوا أنفسهم فوق البشر، وأعطوا أنفسهم ألقاباً ومسميات لم تعطَ لغيرهم، ومنحوا أنفسهم سلطات تفوق سلطات البشر، وعلى عامة الناس الذين يرون في هذه الطبقة صورة الملائكة وأصبحوا منصاعين لها انصياع البهيمة لراعيها أن يراجعوا أنفسهم ويصححوا أفكارهم، وعليهم أن يقبلوا بالأمر الواقع وهو أن الملائكة لا تلبس وجوه الشيطان، لكن الشياطين يلّبسون وجوه الملائكة. وقد يلبس السراق والمجرمون لباس علماء الدين ويتزينون بهيئتهم، لكن لا يمكن لعلماء الدين أن يسلكوا مسلك المجرمين، من هنا فإن من خربّ بلده (إيران) وعاث فيها فساداً لا يمكن أن يكون نموذجاً يتبع، ومن ليس فيه خير لأهله لا يمكن أن يجلب الخير لغيرة.