مع اقتراب موعد انعقاد الدور الثالث من الفصل التشريعي الثالث لمجلس النواب يقفز إلى ذهن كثير من المتابعين لأداء المجلس السؤال الذي يتكرر مع بدء كل دورة برلمانية جديدة عن المهمات والوظائف التي يقوم بها عضو مجلس النواب؛ إذ يشير خبراء القانون والسياسة في هذا الشأن إلى أن للنائب البرلماني وظائف ومهمات يقوم بها أثناء عضويته في البرلمان، ومن بين الوظائف الرئيسة التي يقوم بها هي الوظيفة السياسية التي تقتضي مساهمته في تفعيل دور المؤسسة البرلمانية الذي هو عضو فيها وفي تنشيط النقاش السياسي بدائرته، كما في عموم الوطن، عبر المشاركة في الندوات الفكرية والبرامج التلفزيونية والكتابة الصحافية وعبر شبكات التواصل الاجتماعي وغير ذلك من مختلف الوسائل والمناسبات التي تكرس في الواقع المسؤولية السياسية للنائب وتجعل منه عضواً فاعلاً في المشهد السياسي المحلي والإقليمي والدولي.
من هذا المنطلق؛ فإن السؤال المهم الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو هل يقوم نوابنا الأفاضل بهذا الدور خلال عضويتهم للمجلس في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة التي نعيشها هذه الأيام والتي تتطلب أن يكون للنائب البرلماني حضور قوي في المشهد السياسي؟ فعلى سبيل المثال كانت البحرين على موعد لمناقشة ملفها الحقوقي في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف؛ فهل حظي هذا الموضوع باهتمام النواب قبل مناقشته في جنيف من خلال مناقشة النائب هذا الموضوع مع ناخبيه من خلال ندوة فكرية؟ وإذا كانت هذه القضية لا تنتهي عند اعتماد تقرير البحرين الحقوقي؛ لأن آلية المجلس في مناقشة قضايا حقوق الإنسان تخضع لمراجعة دورية لهذا الملف؛ فهل أخذ النواب هذه الآلية في الاعتبار بحيث ينظمون ندوات لناخبيهم وغيرهم من المهتمين بالشأن السياسي لمناقشة مرحلة ما بعد جنيف؟
في الواقع يوجد تباين كبير وواضح بين أعضاء مجلس النواب في تأدية هذه المهمة؛ إذ من الملاحظ أن بعض النواب تنتهي علاقته بناخبيه بمجرد إعلان نتائج الانتخابات وفوزه بعضوية البرلمان وحصوله على لقب نائب. أما البعض الآخر من النواب يستمر في تواصله مع الناخبين في دائرته؛ بل إنه يذهب في هذا الاتجاه إلى أبعد من ذلك فيوسع في علاقاته ونشاطاته من خلال تواصله مع المواطنين من خارج دائرته وينظر إلى البحرين على أنها دائرته الكبرى ولذلك نجده يحرص على حضور الفعّاليات السياسية والاجتماعية كافة، ويتحدث في هذه الفعّاليات باسم البحرين وليس من منظور زاويته الضيقة (دائرته)، ومثل هؤلاء النواب قليلون في مجتمعنا البحريني بل لا نجافي الحقيقة إذا قلنا إنهم عملة نادرة إذ نجد أن أغلبية النواب يقتصر نشاطهم تحت قبة البرلمان.
ومن أمثلة هؤلاء النواب نذكر النائب عبدالرحمن بومجيد الذي نظم في الأسبوع الماضي ندوة حملت عنوان “مرحلة ما بعد جنيف”، وهي مبادرة يشكر عليها وقد تحدث فيها رئيس جمعية تجمع الوحدة الوطنية الشيخ عبداللطيف المحمود، الذي أكد على أهمية العمل والاستعداد لهذه المرحلة وعدم الركون للراحة لأن المسألة لم تنته، وطالب الجميع حكومة وجمعيات سياسية وحقوقية بعدم الخلود للنوم والعمل من أجل التحضير للجلسة القادمة، وهناك نوع آخر من النواب ليس له نشاط يذكر لا في داخل أروقة المجلس ولا في خارجه ومثل هؤلاء النواب يكتفون فقط بحصولهم على لقب نائب وإذا لم ينجح في دورة أخرى فيكون فخوراً بحصوله على لقب نائب سابق.
هناك فئة من النواب تعرف في الأدب البرلماني بنواب الخدمات، وهذا النوع من النواب يتميز بأنه على اتصال دائم بناخبيه ولديه حرص شديد على مقابلتهم بهدف تحقيق حاجاتهم الخاصة، كما نجده أيضاً دائماً على اتصال بالوزراء والمسؤولين ويحرص باستمرار على مقابلتهم في كل حين وساعة وينتهز تواجدهم في المجلس في بعض الأحيان ليسلمهم قائمة من الطلبات وكثيراً ما يتجاوب الوزراء والمسؤولون لتلك الطلبات في مقابل سكوت النائب عن توجيه النقد للوزير ومساءلته عن أوجه القصور في وزارته، وللأسف مثل هذه النوعية من النواب تحظى بشعبية كبيرة لدى الناخبين بدليل فوزهم في أكثر من دورة برلمانية على الرغم من ضعف أدائه البرلماني وعدم اهتمامه بالقضايا العامة، حيث إن مثل هذه القضايا لا تشغل تفكيره ولا تمثل له أولوية في عمله البرلماني.
في رأيي أن النائب الناجح هو الذي يتواصل مع جمهور دائرته وكذلك من خارج دائرته وهو الذي يطلعهم باستمرار على آخر المستجدات في الساحة السياسية حتى يكونوا على بينة لما يجري في المشهد السياسي وهذه إحدى المهمات التي ينبغي على كل نائب أن يقوم بها كما بيّنا في مقدمة المقال. إذ إن مثل هذا التوجه يسهم في توعية الجمهور بمختلف القضايا المحلية ويخلق رأياً عاماً مستنيراً بدلاً من أن يكون أسيراً للشائعات التي لا شك أنها تضر بالوطن والمواطنين.