تعرضت الزيارة الأخيرة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى تل أبيب إلى مجموعة من التصريحات الرسمية والتغطيات الإعلامية، والتحليلات السياسية، قريبة إلى حد بعيد من تلك التي عرفتها زيارتها الأخيرة إلى القاهرة. فمن جانبه اعتبر الموقع الإخباري الإسرائيلي آروتز شيفا، كما نقلت عنه زينب مصطفى على الموقع الإلكتروني لصحيفة “الدستور” المصرية “شبه فاشلة”، حيث وجد أن “زيارة كلينتون لإسرائيل لم تسفر عن أية تغييرات مجدية إذ إن عملية السلام التي تقودها أمريكا ذهبت في تعداد النسيان”، ويستطرد متسائلاً “ما إذا كانت عملية السلام قد فقدت بإسرائيل أم إن كلينتون لم تأت بها من أمريكا في الأساس؟!”. وشاركت أكثر من صحيفة أمريكية في الإشارة إلى مثل هذا الفشل، عندما ربطت بين وصول كلينتون إلى إسرائيل وتعثر مشاريع الرئيس الأمريكي باراك أوباما “طوال مدة حكمه في تحقيق رغبة السلطة الفلسطينية بالاعتراف بدولتها وإقامة السلام بالشرق الأوسط، (الأمر الذي جرد كلينتون من كل شيء) فيما عدا الكلمات العادية التي حفظها الجميع بشأن السلام فيما بين إسرائيل وفلسطين، وبين إسرائيل والدول العربية أجمع”. مجموعة أخرى من الصحف الأمريكية والإسرائيلية أجمعت على أن أحد الموضوعات المهمة التي ناقشتها كلينتون مع المسؤولين الإسرائيليين كان الموقف الإسرائيلي من “المشروعات النووية الإيرانية” وكيفية تعامل تل أبيب مع طهران حول هذا الموضوع، فرغم تصريحات الرئيسين الأمريكي أوباما والإسرائيلي نتنياهو “أنه لا يجب السماح لإيران بتجاوز العتبة النووية، إلا أن هناك خلافات حول كيفية منع حدوث ذلك، (ما يجعل كلينتون تبحث عن) تأكيدات من إسرائيل بأنها ستمتنع عن القيام بعمل عسكري ضد منشآت إيران النووية على الأقل حتى موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل”. وحضور الانتخابات الرئاسة الأمريكية في جدول أعمال الزيارة أشار له أيضاً الخبير الأمريكي أرى فليشر، والذي شغل منصب المتحدث الرسمي باسم الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، حين أكد “أن زيارة كلينتون لإسرائيل ترتبط تماماً بالانتخابات الأمريكية المقبلة، والتي من المتوقع أن تشهد تنافساً شرساً بين الرئيس أوباما ومنافسه الجمهوري ميت رومني، وأن كلينتون سوف تتناول خلال محادثاتها مع القادة الإسرائيليين التزام الرئيس أوباما الكامل تجاه الدولة العبرية، موضحاً أن الرئيس الأمريكى يعانى حالياً من ضعف كبير فى شعبيته بين المجتمع اليهودي، نظراً لضعف ما قدمه خلال فترة ولايته لإسرائيل، منذ أن دخل البيت الأبيض فى أوائل عام 2009”. مثل هذه المواقف وأخرى غيرها ترفع تحديات جدية أمام الإدارة الأمريكية، يزيد من تعقيداتها الوضع الأمريكي المتردي الذي لم يعد يسمح لواشنطن أن تفرض أياً من شروطها، حتى على أقرب الحلفاء لها من أمثال إسرائيل. أول هذه التحديات هو كيف يمكن لواشنطن أن تصل إلى مقترح مقبول لدى تل أبيب يقود إلى حلول تفك بعض عقد معادلة الصراع العربي الإسرائيلي الصعبة كي تستعيد مسيرتها الجامدة اليوم، في وقت يقترب فيه موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، دون أن تستفز إسرائيل من جانب، ومن غير أن يؤدي ذلك إلى إثارة الطرف العربي، وفي المقدمة منه مصر من جانب آخر. وقد حرص المسؤولون في تل أبيب على أن يكرروا على مسامع الوزيرة الأمريكية، ما معناه “أن أي سلام في الشرق هو أعرج في غياب مصر عنه، وأن أي إخلال، ولو طفيف، بأي من بنود الاتفاقيات المصرية الإسرائيلية سيبخر جهود كلفت إسرائيل الكثير الذي لا يمكن، ومن غير المنطقي التفريط فيه”. حل هذه المعادلة التي ترفع تحديات معقدة في وجه الإدارة الأمريكية، لم يعد بالأمر السهل، في ظل التطورات الراديكالية التي تمر بها المنطقة العربية، والتي لا يمكن التقليل من عمق انعكاساتها على مسالك واتفاقيات الصلح الموقعة بين بعض الأنظمة العربية، وفي المقدمة منها مصر وسوريا، وإسرائيل. ثاني تلك التحديات هو الملف النووي الإيراني، والموقف الإسرائيلي منه، والذي لا تستطيع واشنطن أن تتجاهله من جهة، وليس لديها حلولاً جاهزة ناجحة، من وجهة نظرها، من جهة ثانية. وفوق هذا وذاك، ليس في وسع واشنطن، في ظل ظروف الشرق الأوسط القائمة، وبفضل ظروفها الذاتية الخاصة بها، أن تفرض على إسرائيل حلولاً وسطية، ربما تؤدي إلى تأزيم الوضع الداخلي الإسرائيلي، الأمر الذي من شأنه أن يحرج السلطات الحاكمة في تل أبيب التي دأبت منذ فتح الملف النووي الإيراني على تصعيد لهجة معالجتها لذلك الملف. ثالث تلك التحديات، وهو أمر لم يطفو بالوضوح المتوقع له، على سطح التغطيات الإعلامية التي رافقت الزيارة، هو مسألة المساعدات الأمريكية التي تتوقع إسرائيل أن تحصل عليها، مقابل المليار دولار التي ادعت وزيرة الخارجية الأمريكية أنها ستقدمها لمصر. فقد عودت الإدارة الأمريكية الكيان الصهيوني على أن تكون حصته من مساعداتها الدولية، وعلى وجه الخصوص العسكرية منها، أضعاف ما تتلقاه الدول العربية جميعها، بما فيها مصر، كي تضمن لـ«تل أبيب” التفوق على الصعيدين الكمي والكيفي في موازين الصراع الشرق أوسطي. يكتسب هذا الموضوع أهمية خاصة، نظراً للتطورات، مهما كانت طفيفة، التي يمكن أن تطرأ على السياسة المصرية بعد وصول جماعات الإخوان المسلمين إلى مصر، ونظراً للعلاقة التنظيمية التي تربط بين التنظيمين: الإخوان وحركة حماس الأمر الذي يمكن أن يعكر صفو الاستتباب الأمني في صحراء سيناء أولاً، ومعادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ثانياً. والحديث هنا يراعي المقاييس الإسرائيلية في تقويمها لكليهما ولكل منهما على حدة. لا يخفف من تلك المخاوف الإسرائيلية تصريح الخبير السياسي الإسرائيلي إيتان جيلبوا، الذي أبرزته صحيفة “نيويورك تايمز”، والذي أكد فيه “أن السيدة كلينتون سوف تسعى للتأكد من أن السياسة الخارجية التي سوف تتبناها مصر خلال العهد الجديد ستكون متوافقة مع المصالح الأمريكية في منطقة الشرق، وبأن وزيرة الخارجية الأمريكية سوف تضغط على الرئيس الإسلامي ليقدم مزيداً من التطمينات حول نية بلاده تجاه إسرائيل، ومدى التزامها بمعاهدة السلام التي أبرمتها معها في منتجع كامب ديفيد عام 1979”. إذا دمجنا كل تلك التصريحات والتعليقات التي سبقت، وكذلك أعقبت الزيارتين المتتابعتين التي قامت بهما كلينتون إلى القاهرة وتل أبيب على التوالي، فستكون المحصلة أن الزيارة لم تؤت أكلها، ومن ثم فعلينا أن نتوقع بياتاً شتوياً، ربما لن يكون طويلاً، لكنه سيضع الصراع العربي الإسرائيلي في ثلاجة، في انتظار ما تؤول له الأوضاع في سوريا أولاً، وما ستفرضه معركة الانتخابات الأمريكية القادمة من تحالفات وبرامج داخلية وخارجية يدخل بها المرشحون المتنافسون في الجولة النهائية من حملاتهما ثانياً