لقد أثلج انفصال الجنوب السوداني عن شماله أعداء الأقطار العربية ووحدتها، وفرح هؤلاء بأكثر من فرحة الجنوبيين بتأسيس دولتهم، وكان هذا الانفصال هو نتاج قتل السلام وغياب الوئام بين الشعب الواحد الذي حل محله بما يملكه أهل الشمال والجنوب من السلاح، ولم تكن حقوق الإنسان والديمقراطية هي أحد أهداف هذا الانفصال، فإذا كانت تلك هي من تلك الأهداف.. فهل نال الجنوبيون حقوقهم الإنسانية؟ وهل أصبحت دولتهم ديمقراطية؟ وماذا حققت دولة جنوب السودان ودولة الشمال من هذا الانفصال؟ لقد تعرض الوطن السوداني كغيره من الأقطار العربية إلى مؤامرة التفتيت والتجزئة، وبدلاً أن تحافظ القيادة السودانية على السودان كوطن وتجميع السودانيين في هذا الوطن تمت الموافقة على تقسيمه إلى وطنين، وطنين بهويات مختلفة في الانتماء والعقيدة والأهداف. فانهارت بسبب هذا الانفصال الدولة السودانية الواحدة سياسياً واقتصادياً وشعبياً، وقبل هذا الانفصال كانت هناك العديد من المشاكل السياسية والاقتصادية التي عصفت البلاد مما جعلها ترزح تحت عبء اقتصادي وسياسي واجتماعي ثقيل رافقه توقف المعونات الاقتصادية والمنح المالية الخارجية، بجانب إقصاء الآخر وتهميشه وتغييب دور الشباب ومطالبة المحكمة الدولية برأس سيد البلاد، هذا وغيره مما جعل السودان يعيش في واقع مزري وفي نفق مظلم لا أثر للضوء في الأفق البعيد، وهذا ما جعل الشعب السوداني يعيش في سراب الوعود السياسية وآمال الترفيه الاقتصادي الوهمية والحياة الآمنة المستقرة تحت ظلال التعايش السلمي وثقافة التعددية الإنسانية التي لم ينل منها الشعب السوداني شيئاً. وهذه الأمور ساهمت كثيراً في انخفاض مستوى معيشة المواطنين ومعدلات الدخل الوطني وتوسعت دائرة الفقر وسوء التغذية والبطالة وغيرها من المشاكل التي عانت منها السودان سابقاً وتراكمت عليها مشاكل السودان بعد الانفصال فهلك بذلك الزرع والضرع. لم يكن الانفصال من أجل التنافس على تطوير السودان وتقدمها، ولا من أجل تحقيق مبادئ الإنسان والديمقراطية، ولم يكن لأجل رخاء الشعب السوداني ونعيمه، ولم يكن لأجل السودان ذاتها، ولا من أجل المسلمين أو المسيحيين، إنما من أجل تحقيق مصالح ذاتية وأجندات خارجية، انفصال ساهم كثيراً في تعميق المشاكل القبلية والدينية بين شعب الوطن الواحد. فليس المهم مَن يحكم السودان (مسلم أو مسيحي) وإلى أي قبيلة ينتمي ما دام هذا الحاكم يتحلى بالأمانة والصدق والوطنية، فليس المهم هو شخص الحاكم وهويته وعقيدته المهم هو قيام دولة سودانية على أسس دستورية ذات نظام وطني قائم على الوحدة الشعبية والوطنية، قيام السودان الذي لا يُميز بين أبنائه ولا يقصي منهم أحداً. فهل تحققت الرفاهية للمواطن السوداني الجنوبي بعد الانفصال؟ وماذا جنى الشمالي منه؟ وماذا فعل الرقم (193) للجنوب السوداني وشعبه؟ أم أن قضايا الجنوب السوداني ومشاكله مختلفة عن شماله؟ في عام 2005م تم (دس السم في الدسم ــ اتفاقية نيفاشا للسلام) وتحقق الانفصال الترابي في التاسع من يوليو 2011م، وبعد عام واحد فقد زاد التهميش التنموي، وتعمقت الفتنة الطائفية والعنصرية بين أبناء السودان، ارتفع مؤشر الفقر والعازة، وبدلاً من تبادل العلاقات الحسنة بين الدولتين التوأم فإنها شهدت معارك شرسة على حدودهما بجانب أعمال العنف الداخلية وتوقف إنتاج النفط الذي حاز جنوبه على أكثره. وبعد عام واحد ارتفعت الأسعار، خاصة أن الجنوب السوداني يُعاني من مشاكل في التنمية البشرية والتحتية. وبعد عام واحد من الانفصال لم تتحقق تطلعات الشعب السوداني الجنوبي من تأسيس دولته المنفصلة عن الأم، فالشعب السوداني اليوم يعيش مشاكل الحاضر ومخاوف إزاء المستقبل. فهل المهم أن تؤسس دولة؟ دولة يعيش أهلها في كنف المشاكل السياسية والاقتصادية، دولة تفتقر كثيراً إلى الموارد البشرية. فقد تأسست دولة الجنوب وبدون هوية، فهل هي دولة عربية أم أفريقية؟ فالدولة الحقيقية هي الدولة القادرة على تحقيق تطلعات شعبها، وتكون قادرة على تحسين مستوى معيشة مواطنيها، وأن يكون لديها جيش من الموارد البشرية متعلماً ومنتجاً ليكون قادراً على بناء هذه الدولة والاستمرار في تطويرها، دولة تكون قادرة على توفير التعليم والصحة والمياه النقية وكافة الخدمات الحياتية للمواطنين. فماذا تحقق من ذلك خلال عام واحد من الانفصال؟ فماذا يفعل المواطن بالوطن من غير وظيفة أو غذاء أو علاج؟ ماذا يفعل بالوطن دون أمن واستقرار؟ فالأحلام لا تتحقق بالاستقلال وإنما بقدرة الدولة على تفعيل هذا الاستقلال إلى برامج سياسية واقتصادية حقيقية تستفيد منها البلاد والعباد.