برحيل ولي العهد السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز، يمكننا أن نفتح أكثر من زاوية لتناول هذا الرحيل، الذي أخذ صداه الإقليمي والدولي، نظراً لحساسية شخصية الراحل، ولأدواره الكبيرة، وللملفات التي يمسك بها في الدولة، فهو رحمه الله، ركن من أركان الدولة وجزء من تكوينها خلال نصف القرن المنصرم. لهذا كان النقاش حول المصير والمستقبل يعاد طرحه في القنوات والصحف بشتى جنسياتها ولغاتها. نايف كان نقطة ارتكاز كبيرة لدولة كبرى ومؤثرة مثل السعودية. كان يمسك بملفاتٍ عديدة ومجالس عليا يرأسها ويديرها وكلها على مستوىً من الحساسية والمسؤولية مثل الإعلام والحج والأمن المحلي ومواجهة الإرهاب. رؤيته للإرهاب كانت واضحة وصارمة وحازمة خلال العقد الماضي لم يفشل مشروع الأمير نايف أبداً في ملاحقة أعضاء تنظيم القاعدة، الرعب الذي كان يلازم الناس جراء تغلغل القاعدة في مناطق السعودية أنهاه الأمير نايف بمشروعٍ متكامل، لهذا لا مجال للشامتين الذين يصطادون قصة موت الأمير نايف لتمرير أغراضهم الأيديولوجية أو المذهبية أو النفسية حتى. يشمت البعض بأن رحيل الأمير نايف سيجعل الخلايا المقموعة تنتفض من جديد وهذا وهم كبير، ذلك أن نايف يتحرك وفق استراتيجية دولة وضمن منهج أشمل من الشخص، وهو يعلم أنه يوماً ما سيرحل ولم يربط المؤسسة بشخصه؛ بل وضع لها نهجاً يسير عليه من بعده خلفه، وإذا استعدنا الجلبة التي تصاحب أي ركنٍ من أركان الدولة في السعودية سنجد التشابه الواضح بين كل جلبةٍ تعقب وفاة أمير أو ملك، منذ الملك عبدالعزيز والملوك الذين بعده وصولاً إلى الأمير نايف. وحين توفي الملك فهد كانت القنوات تتحدث عن خلافات بين الملك عبدالله والأمير سلطان على الحكم، لكن سرعان ما رأى الناس سلطان يبايع عبدالله، والجميع يسير تحت مظلة الملك الحكيم، ما يؤكد أن الجلبة قد لا تتجاوز التفكير الرغبوي لدى البعض! وما اختيار الملك للأمير سلمان ولياً للعهد في اليوم التالي لدفن سلفه الراحل الأمير نايف إلا تأكيد على استقرار النظام بقيادة الملك. أما عن المستقبل فمن المهم أن يتنبّه متخذ القرار لضرورة إشراك الجيل الشاب من الأسرة تهيئةً لهم لأدوارٍ قياديةٍ يجب أن يقوموا بها مستقبلاً في كل مناحي الحياة ووزارات الدولة. هذا الإجراء حتى لا تأتي المسؤوليات من دون أن تسبق الطاقة بالخبرة العملية والتتلمذ على الكبار في إدارة الأزمات والتحديات. وهذا جزء من إشراكٍ أعم للشباب من المجتمع في رسم السياسات الاقتصادية لأنهم ببساطة يشكلون ثلاثة أرباع المجتمع السعودي، إشراك الشباب من الأسرة في الإدارة السياسية مهم، وهم بدورهم سيشركون الشباب من أبناء المجتمع معهم في صياغة القرارات ورسم الاستراتيجيات والسياسات. رحيل نايف يجب أن لا يشعرنا بالخوف من المصير والمستقبل لأنه رحل وهو يثق بأن من بعده سيكون بمستوى مسؤوليته هو في حماية البلد والحفاظ على مصالحه. لكن بنفس الوقت لا بد أن نطرح أسئلة شجاعة، مثل إشراك الشباب من آل سعود في الإدارة السياسية، لأن الملفات التي يجب أن ينظر إليها بعين الشباب كثيرة، مثل البطالة وأزمات السكن، وأذكر أن أحد المسؤولين قال قبل أيام إن الأمير نايف كان مهتماً بشكلٍ كبير بملف الشباب في السعودية، حيث سأل عن البطالة وقيمة السكن وتكاليف الزواج للشاب، وهذا يدل على أن الشباب يأخذون حيزاً من اهتمامه، لهذا علينا أن لا نتقاعس عن التمكين الإداري للشباب فهذا أمر لا مفر منه عاجلاً أو آجلاً. رحم الله الأمير وعوض الله السعوديين خيراً، وليكن التفاؤل حليفنا.