ليس من قبيل الصدف أن يتزامن اكتشاف السلطات الأمنية في دولة الإمارات العربية المتحدة لمجموعة كانت تخطط لعمليات تهدف إلى المساس بالأمن والاستقرار في الدولة مع أحداث مشابهة لها في دول الخليج العربية الأخرى مثل؛ البحرين والمملكة العربية السعودية والكويت. فهذا يعني أن هناك مخططاً يجري تنفيذه على الأرض العربية في الخليج، ويمكن القول ودون تردد أن هناك مؤامرة تشترك في نسج خيوطها أطراف محلية وإقليمية ودولية. لقد عاشت دول الخليج عقوداً من الزمن تنعم بنعمة الأمن والسلام الذي خيم على ربوعها، ولم يكن هناك ما يعكر صفو أمنها واستقرارها. لكن في الفترة الأخيرة تغير المشهد الخليجي وأصبحت هذه الدول منطلقاً لبعض التحركات المشبوهة التي ترفع شعارات براقة، وعناوين بارزة تحمل في ظاهرها مضامين وطنية وإنسانية مثل؛ العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة وحقوق الإنسان وهي بالمناسبة عناوين تدغدغ مشاعر العامة، وتسيل لعاب النخب الثقافية والسياسية، وتدفع بهم نحو الاستجابة لمثل هذه الشعارات الرنانة التي أصبحت سلعة رائجة في سوق حقوق الإنسان العالمي وفي الوقت ذاته تطرب الكتاب والصحافيين الذين باتوا يمثلون الذراع الإعلامية لهذه المجموعات. فهم من يدبجون لهم المقالات التي تروج أفكارهم عبر صحفهم التي تصف تحركاتهم على أنها امتداد لما يسمى بالربيع العربي ولكنها في الباطن تخفي نوايا أصحاب هذه الشعارات الذين يسعون إلى تقويض النظم السياسية في هذه البلدان. واعتقد هؤلاء أن الفرصة سانحة أمامهم في ظل التحولات التي جرت في بعض البلدان العربية وفي وقوف بعض الدول الكبرى خلفهم، فسارعوا في اغتنام هذه الفرصة في تنفيذ أجنداتهم خصوصاً أنهم شعروا أن الطريق أصبح معبداً أمامهم، والأرضية باتت ممهدة لاستنبات أفكارهم بعد أن تلاقت مصالحهم مع مصالح بعض القوى الإقليمية والدولية التي هي الأخرى كانت تتحين الفرص لإحياء زمن الوصاية على هذه الدول التي من خلالها تضمن بأن يكون لها دوراً كبيراً في توجيه بوصلة القرارات التي تتخذها هذه الدول بشأن قضاياها المحلية والإقليمية والدولية، لذا وجدت تلك القوى ضالتها في هذه الجماعات التي يمكن عن طريقها تحقيق غاياتها في المنطقة. وبناء على ذلك، تم التعاقد بينهما على تبادل الخدمات لتحقيق مصالحهما المشتركة وفي ظل هذه العلاقة بينهما نفهم الأسباب التي تفسر لنا تبني هذه القوى لهذه الجماعات، وعدم التردد في دعمها ومساندتها مادياً وسياسياً وإعلامياً. فعلى الصعيد السياسي؛ اتجهت هذه القوى إلى استخدام هذه الورقة (الجماعات المناهضة) لابتزاز الدول الخليجية والضغط على حكوماتها في تمرير مصالحها وعبر دفعها في اتجاه الرضوخ لمطالب هذه الجماعات. من هنا، يمكن القول إن ما تم اكتشافه في دولة الإمارات العربية المتحدة لا يمكن عزله عما جرى ويجري في دول المنطقة، وذلك لسبب بسيط وهو أن المخطط الذي يجري تنفيذه حالياً يستهدف دول المنطقة بأسرها ولا يستثني أحداً منها. وإن الدور جاء الآن على دولة الإمارات التي تتمتع بمستوى اقتصادي مرتفع بفضل توظيف قيادتها عائدات النفط في تنمية مجتمعها، وبذلك نجحت في تقديم نموذج متقدم على مستوى البلدان العربية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، انعكس على شعبها الذي بات ينعم بمستوى راق من العيش الكريم يحسد عليه. فحكومة الإمارات سواء في عهد المؤسس الشيخ زايد رحمه الله الذي وضع -وبمساعدة حكام الإمارات- اللبنات الأولى لنهضة الدولة الحديثة أو في ظل خليفته الشيخ خليفة بن زايد الذي سار على نهج والده في رفع شأن المواطن الإماراتي وجعله بالفعل يفتخر بانتمائه لهذه الدولة التي لم تبخل عليه في توفير سبل العيش الكريم له، حيث استطاعت في فترة زمنية قصيرة أن تحقق إنجازات كبيرة يذكرها القاصي والداني ولا ينكرها إلا الجاحد. السؤال المهم الذي يطرح في هذا السياق هو؛ لماذا تقوم هذه المجموعة التي تم القبض عليها أو غيرها من المجموعات النائمة بحراكها ضد الدولة مادامت الأخيرة لم تتأخر في توفير كل مطالب شعبها؟ في ظني أن هذه الجماعات لا تستطيع التسلل إلى عقول الإماراتيين من خلال هذه البوابة أقصد (البوابة المعيشية) لذا فهي تحاول البحث عن مبررات أخرى لحراكها ولذلك نراها تلجأ إلى القيم التي ذكرناها في بداية المقال وهي؛ الكرامة والحرية وحقوق الإنسان؟ إذا كانت هذه هي مطالب المجموعات التي تقود الحراك حالياً، فأظن أن دولة مثل الإمارات منذ تأسيسها وحتى الآن قد جعلت الإنسان الإماراتي محور برامجها التنموية، والأساس الذي تعتمد عليه في نهضتها لن تفرط في توفير كل هذه الحقوق. وقد أثبتت التجربة أنها بالفعل تسير في هذا الاتجاه. أعتقد أن القضية لا تتعلق بالمطالبات فهذه أمرها محسوم بالنسبة لأصحاب القرار السياسي في دولة الإمارات العربية المتحدة، بل إن هؤلاء على درجة كبيرة من الوعي والذكاء السياسي يمكنهم من قراءة المشهد السياسي، قراءة دقيقة وواعية تقودهم إلى اتخاذ القرارات التي تتناغم مع التحولات التي تمر بها المنطقة العربية واستيعابها. وفي هذا السياق أرى أن دولة الإمارات في طريقها إلى إحداث تطوير في مؤسستها التشريعية (المجلس الوطني الاتحادي) وإفساح المجال أمام الشباب الإماراتي بصورة أكبر للمشاركة في صنع القرارات التي تهدف إلى بناء الوطن وتقدمه وتطوره. كما إن أبوابها مفتوحة للتحاور وقضاء حاجات المواطنين. لذلك لا أعتقد أن تلك الجماعات سوف تنجح في تمرير مخططها على الشعب الإماراتي حتى ولو تم تغليفه بمفاهيم الحرية والكرامة وحقوق الإنسان؛ لأنه هو الآخر على درجة من الفهم والوعي الذي يمكنه من قراءة ما خلف السطور وأنه فهم الدرس من تجربة البحرين التي كشفت هذه الشعارات البراقة وزيفها ولذلك نرى أنه سيقف بحزم مع قيادته في وجه هذه الجماعات مهما كان لونها وانتماءها السياسي.