رغم قناعتي أن الأزمة السياسية التي تعيشها البحرين منذ العام الماضي ليست منفصلة عما يحدث في الساحة الإقليمية والدولية؛ إلا أنني مؤمن كل الإيمان بأن الخروج من هذه الأزمة وحلها يجب أن يكون بحرينياً خالصاً وأن يكون نابعاً من الشعب البحريني بكافة أطيافه السياسية ومن دون وصاية من أحد أو من أي طرف إقليمي أو دولي. لكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل جميع النخب والجمعيات السياسية التي تدعو للخروج من هذه الأزمة، وتنادي بالحوار السياسي تسير في هذا الاتجاه وتؤمن بهذا المبدأ. لا أعتقد ذلك؛ لأن كل الشواهد والدلائل تشير إلى أن بعض الجمعيات السياسية في البحرين لها علاقات وارتباطات وثيقة مع قوى إقليمية ودولية وتعمل معها منذ أمد بعيد. فعلى الصعيد الإقليمي ترتبط جمعية الوفاق بمرجعيات وقوى سياسية في إيران وتسير في حراكها السياسي بناء على استشاراتها وتوصياتها في تقرير حاضر ومستقبل البحرين السياسي وهذا الكلام ليس بالجديد في الساحة البحرينية، ولا نطلقه من باب الادعاء والاتهام لهذه الجمعية؛ فأمينها العام في حديثه الأخير قد أقر بذلك وقال: بما معناه أنه بفتوى واحدة يمكن أن يقلب الموازين العسكرية، وهنا يصور الأمر كأن القضية بين جيشين وهذا تطور خطير في الخطاب الديني والسياسي. وأعتقد أنه لم يقل هذا الكلام بوحي من خياله أو عقله. لذا نقول إذا كانت هذه الجمعية تنفي عن نفسها هذه الادعاءات وتصفها بالاتهامات الباطلة فإننا ندعو قادتها وكبار رجالاتها ومشايخها وأعضاءها أن يقدموا لنا تفسيراً واحداً لمواقف إيران العدائية حيال البحرين والمتمثلة في التصريحات الاستفزازية التي يطلقها بعض المسؤولين الإيرانيين بين فترة وأخرى حولها والتي وصلت إلى حد القول بتسمية البحرين بـ«المحافظة الرابعة عشرة”. إن الساسة الإيرانيين لن تكون لديهم الجرأة على إطلاق مثل هذه التصريحات الاستفزازية لولا شعورهم العميق بأن هناك فئة في الشارع البحريني تصفق لإيران وتشجعها وترحب بها، ولا تستنكرها ولا تدينها؛ لأنها ببساطة تتناغم مع أجندتها وتحقق مآربها. ولو أن إيران سمعت صوتاً واحداً يقول لها إن البحرين دولة عربية إسلامية توافق شعبها مع نظام الحكم فيها في مراحل عدة قبل الاستقلال وما بعده على أن تكون تحت راية آل خليفة الكرام لما تمادى ملالي إيران في المطالبة بالبحرين ولكن ماذا نقول لقادة هذه الجمعية الذين رهنوا أنفسهم بقوى دينية وسياسية خارجية وكشفوا عن أقنعتهم وباتوا يعملون على المكشوف، ويجهرون بما يبطنونه ويعلنون على الملأ بأنهم يمتلكون القدرة على تغيير ميزان القوة العسكرية في إشارة واضحة لتصريحات المشير بشأن رفع قانون السلامة الوطنية “إذا عادوا عدنا”. نفهم من حديثهم أنهم يتحركون على المسرح السياسي وفقاً لتعليمات المخرج الإيراني الذي يحرك ممثليه من جمعية الوفاق طبقاً لطبيعة المشهد السياسي الإقليمي وبالخصوص المشهد السوري، وهذا واضح وجلي لكل من يراقب هذا المشهد إذ كلما زاد الضغط الإقليمي والدولي على النظام السوري تحركت إيران ومن خلفها العراق وحزب الله في لبنان في اتجاه تحريك أتباعهم في المنطقة وبالتحديد في الساحة البحرينية لإثارة بعض القضايا الجدلية التي تثير الفتنة. أما على الصعيد الدولي، فإننا نرى أن جمعية الوفاق تنفرد عن بقية الجمعيات السياسية أيضاً في ارتباطها مع بعض القوى السياسية الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وهي تستقوي بها في تحقيق أهدافها، وقد نجحت جمعية الوفاق في كسب ود بعض السياسيين الأمريكيين والمنظمات غير الحكومية وقد تجلى ذلك في انحياز هؤلاء للوفاق وتبنيهم لوجهة نظرها والعمل معها من أجل تحقيق أجندتها بعيداً عن القوى السياسية الأخرى في الساحة البحرينية. ونتيجة لهذا التعاون القائم بينهما نلاحظ أن الزيارات المكوكية التي يقوم بها المسؤولون الأمريكيون للبحرين منذ اندلاع الأزمة وحتى الآن هدفها الضغط على الحكومة ومطالبتها بالاستجابة لمطالب الوفاق. وزيارة نائب وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل مايكل بوسنر الأخيرة للبحرين ودعوته للوفاق للاجتماع به في السفارة الأمريكية وتصريحاته بشأن الأحكام التي صدرت مؤخراً بشأن بعض الأطباء تؤكد على العلاقة الحميمية التي تربط الوفاق بالمسؤولين الأمريكيين. الأمر الذي يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الوفاق في سعيها لتحقيق غايتها تستعين بالأجنبي وهذا يتناقض مع خطابها وشعاراتها الوطنية وفي يقيني أن هذا الطريق الذي تنتهجه الوفاق في تعاطيها السياسي مع الشأن المحلي يضعها محل المسائلة والاستنكار والرفض من قبل الشارع البحريني وبالتالي رفض إجراء أي حوار معها ويذهب السياسيون في هذا الاتجاه إلى مطالبة الحكومة بعدم الاستجابة للضغوطات الأمريكية أو الرضوخ لمطالب الوفاق. وفي ظني أن هذا الرفض مبرر لأن ما قامت به الوفاق وما تقوم به حالياً وما تفكر فيه في المستقبل من أعمال تهدد الأمن والسلم الأهلي يفضي إلى عدم ثقة القوى السياسية والقوى الصامتة بالوفاق. وهذا ما جعلها تقول لا للحوار مع الوفاق؛ لأن المنطق السياسي يقول لا مكان للمتعاون مع الأجنبي في الحوار.