«سيطر الجيش اليمني (الثلاثاء) بالكامل على زنجبار عاصمة محافظة أبين الجنوبية ومدينة جعار المجاورة بعد أن ضيق الخناق على عناصر (القاعدة) وطردهم منها، حسب ما أعلن قائد عسكري.. فشل المراقبون الدوليون في بلوغ مدينة الحفة في اللاذقية التي تتعرض لقصف عنيف رغم مناشدات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، فيما أبدت كل من بريطانيا وفرنسا قلقها من ارتكاب نظام بشار الأسد مجازر جديدة في سوريا.. تظاهر المئات من السلفيين التونسيين الغاضبين من افتتاح معرض فني يقولون إنه يزدري الإسلام في تونس العاصمة واصطدموا برجال الأمن.. مرة أخرى، ولليوم الثاني على التوالي اضطرت محكمة جنايات القاهرة إلى تأجيل محاكمة 24 من رموز النظام السابق، المتهمين بقتل والتحريض على قتل المتظاهرين السلميين في ميدان التحرير، فيما يُعرف بـ (موقعة الجمل)، بسبب اعتذار مزيد من الشهود الذين طلبت المحكمة مثولهم أمامها.. أكد مصدر عسكري يمني أن مدينة زنجبار، عاصمة محافظة أبين الجنوبية، باتت تحت سيطرة القوات الحكومية، وأن فرقاً هندسية متخصصة باشرت نزع الألغام التي زرعها مسلحو القاعدة في بعض شوارع المدينة”. تلك كانت عينة من التغطيات الإعلامية التي تصدرت صفحات مواقع المحطات العالمية مثل الـ “بي بي سي”، والـ “سي إن إن”. مقابل ذلك تراجعت أخبار بناء المفاعل النووي الإيراني والأوضاع داخل إسرائيل إلى الصفحات الثانوية، فأشار إليها موقع محطة “روسيا اليوم” قائلاً أعلنت إيران أنها “باشرت القيام بدراسات تمهيدية لبناء غواصة تعمل بالدفع النووي،.. وقال الأميرال عباس زمني مساعد قائد سلاح البحرية للأمور التقنية: باشرنا بدراسات تمهيدية لصنع غواصة تعمل بالدفع النووي”. نستثني من ذلك موقع محطة “فرانس 24” الذي انفرد بنشر الحوار الحصري مباشرة من طهران، حيث نقلت تأكيد “الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد تمسك بلاده ببرنامجها النووي المدني وحقها الشرعي في تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، مؤكداً عدم ثقته بالغرب في تعاطيه مع الموضوع السوري”. وإذا انطلقنا بأن الإعلام اليوم فقد كثيراً من موضوعيته النسبية التي كان يتمتع بها تاريخيا، وأصبح يمارس، بشكل أو بآخر دوراً يخدم العلاقات الدولية، ومشروعات الدول العظمى في تداخلها مع القوى الإقليمية التي يغطى ذلك الإعلام ساحاتها، كما هو الحال في الشرق الأوسط اليوم، فمن الطبيعي أن يثير هذا الإبراز، الذي يبدو أنه متعمد، لأحداث الأوضاع العربية، ليس في سوريا ومصر فحسب، وإنما حتى في اليمن، وفي الوقت ذاته الإغفال، الذي يبدو أنه هو الآخر مقصود لتطورات الأوضاع في إيران، بما في ذلك أخبار المشروعات النووية وإسرائيل التي تغلي من الداخل.. من الطبيعي أن يثير كل ذلك بشكل متكامل علامة استفهام كبيرة عن اتجاه ترتيبات منطقة الشرق الأوسط في خارطتي العلاقات الدولية والإقليمية. ليس هناك شك من أهمية أخبار الساحة السورية والمصرية في النطاق الشرق الأوسطي، لكن السؤال المحوري هنا هو؛ لماذا إهمال أخبار المشروعات النووية الإيرانية وتراجع تغطياتها بشكل مفاجئ بعد كل ذلك التصعيد الذي اقترب من درجة الافتعال منذ مطلع العام 2012؟. دون الحاجة للاستعانة بأدوات تحليل سياسي يقوم على “نظرية المؤامرة”، بقدر ما تبرز الحاجة إلى قراءة معمقة بين سطور ما تحمله تلك التغطيات الإعلامية من مؤشرات تكشف عن المسارات التي يتوقع أن يسلكها مستقبل منطقة “الشرق الأوسط الجديد”، والتي يمكن حصر أهم استنتاجاتها في النقاط التالية: 1. نجحت إيران في انتزاع نسبة عالية مما كانت تريده فيما يتعلق بمشروعاتها النووية من خلال تعزيز جبهتها الداخلية ونزع فتائلها الملتهبة من جانب، وهو ما أشار له الرئيس أحمد نجادي في مقابلته مع المحطة الفرنسية حين أكد أن “علاقته بالمرشد الأعلى للثورة في إيران علي خامنئي هي علاقة واضحة وأنهما يناقشان سوياً كل المواضيع المطروحة في لقاء أسبوعي بينهما يمتد على مدار ساعتين، ووصف كل ما يثار حول توتر العلاقة بينهما بالشائعات التي ليس لها أي أهمية”، وبناء جبهة دولية خارج حلقات الدوائر الغربية المعادية لها، في روسيا والصين وبعض الدول الآسيوية مثل الباكستان وأمريكا اللاتينية مثل فنزويلا من جانب آخر. وسخرت كل ذلك لإقناع الجبهة الدولية المعادية لها بقيادة الولايات المتحدة بعدم جدوى الإقدام على حماقة عسكرية، ترد سهامها إلى نحور دول تلك الجبهة التي لم يعد الكثير منها، بفضل أزماتها الداخلية، بقادر على تلق أي شكل من أشكال الهجوم من الخارج. 2. فشلت القوى التي تقف وراء “الربيع العربي” في إحداث تحولات جذرية وطرح مشروعات وطنية قادرة على ترتيب بيت كل دولة عربية على حدة أولاً، وطرح مشروع عربي ثانياً، وإقناع الدول ذات المصلحة المباشرة من أمثال الولايات المتحدة وروسيا والصين بإمساكها بنواصي أوضاعها الداخلية ثالثاً، واستخدام الخطاب الذي يبني لها جبهة دولية خارجية قوية كما فعلت طهران، رابعاً؛ هذه الحالة العربية التي ما تزال هلامية ولا تملك اتجاها محدداً لا يشجع أي من الحلفاء الدوليين كي يقدم على مخاطرة غير محسوبة العواقب تقوم على تحالف مستقبلي مع قوى التغير من جانب، وتمنعه من الاستمرار في التحالف مع بقايا “فلول” الأنظمة القديمة من جانب آخر. 3. شرعت، في ضوء ذلك، القوى ذات المصالح الاستراتيجية في الشرق الأوسط، التي لا تسمح لها التزاماتها الدولية، بل وحتى المحلية، في الانتظار، بالبحث عن حلفاء محليين في الشرق الأوسط، فلم تجد أفضل من ثلاث دول رئيسة هي؛ إسرائيل بحكم العلاقات التاريخية، وتركيا بفضل نزوعها نحو البحث عن موطئ قدم راسخة جديد في منطقة الشرق الأوسط يسترجع لها بعض مما خسرته منذ هزيمتها في الحرب الكونية الأولى، وطهران كونها قد استعادت موقعها كلاعب فرض نفسه على تلك القوى بعد أن فقدت موقعها الشرق أوسطي المتميز لدى الدول العظمى منذ الإطاحة بنظام الشاه في أواخر السبعينات من القرن الماضي. هذه النقاط الثلاث تلخص لنا الكثير حول اتجاه الأحداث في المنطقة، التي تشير إلى أن صفقة كبيرة يجري التحضير لعقدها اليوم لترتيب الأوضاع في “الشرق الأوسط الجديد”، يغيب عنها أحد الأطراف الذي يفترض أن يكون أحد اللاعبين الرئيسيين فيها كدول منفردة من مستوى مصر والسعودية، او ككتل متحالفة مثل دول مجلس التعاون الخليجي. والسبب، دون أن يسوقنا تفكيرنا السياسي العربي المريض نحو نظرية المؤامرة، هو الاستعداد الذاتي لكل الأطراف ذات العلاقة بهذه المنطقة الحيوية وذات البعد الاستراتيجي الدولي على المستويين السياسي والاقتصادي، بإستثناء الطرف العربي الذي ما يزال منشغلاً وفي اتجاه خاطئ أيضاً بإعادة ترتيب أوضاعه الداخلية. هذه الجاهزية من الأطراف الأخرى مثل تركيا وإيران وإسرائيل من جانب، والتعثر العربي الفردي والكلي من جانب آخر، يضع القوى الكبرى الضالعة وبعمق في إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط أن تعقد صفقتها أو صفقاتها، وهو أمر طبيعي مع القوى الأكثر جاهزية، ومن ثم الأكثر قدرة على نقل ما يتم الإتفاق عليه من الورق المدون فوقه إلى أرض الواقع التي تنتظره. والسؤال متى يلتفت العرب نحو هذه الصفقة كي يصبحوا جزءاً فاعلاً فيها، دع عنك قدرتهم على أن يكونوا طرفاً مؤثراً في صياغة بنودها؟