في السادس من حزيران - يونيو 1967 أحكم العدو الصهيوني احتلاله على ما تبقى من الأرض الفلسطينية في أقل من ست ساعات، في معركة لم تكن متكافئة في السلاح والإرادة والمبدأ، بجانب احتلالها لصحراء سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية، معركة لم تُهزم فيها الحكومات العربية عسكرياً بل أيضاً مبدئياً وإرادياً. الشعب العربي الذي انتظر هذه المعركة طويلاً ظن أن النصر قد تحقق وأن الأرض قد تحررت مثلما قالت الإذاعات العربية التي هللت للنصر وتغنت به، لكن وبعد أن أشرقت الشمس واتضحت الحقيقة تجلى الموقف العربي الرسمي المنتصر إعلامياً والمهزوم تاريخياً بقوة المبدأ والإرادة الصهيونية. فلماذا حققت الصهيونية هذا الانتصار؟ ولماذا انهزمت الجيوش العربية الرسمية؟ لقد كانت الصهيونية تدافع عن أرض لتستوطنها دون غيرها وقد نجحت في ذلك، كانت الصهيونية في حربها تدافع عن حق شعبها المشتت في ولايات الأرض المتفرقة، تدافع عن تراب تعتقد أنه سُلب منها منذُ آلاف السنين واليوم ها هو يعود إليها، وكانت تهدف إلى حماية مستوطناتها وتحلم بالمزيد من الأرض، من أجل تجميع ما تبقى من اليهود والصهاينة في أرض الميعاد وتوحيدهم، كانت تحارب من أجل سيادتها الوطنية ولحماية شعبها. لهذا انتصرت الصهاينة في المعركة ضد الجيوش العربية التي كانت تدافع عن أنظمتها وحكامها فنالت الهزيمة فخسرت الأرض ورافقتها لعنة الشعب العربي. لقد كانت بحق هزيمة ونكسة ليست مؤقتة بل دائمة، استمرت إلى يومنا هذا، فالأرض التي احتلها الصهاينة لم تستطع الحكومات العربية استرجاعها، ومع مرور السنوات تغيرت الحكومات المتتالية للدولة الصهيونية لكن المبدأ والهوية لم تتغير، بل تضاعفت إرادة الصهيونية أكثر، فأصبح الآلاف في الخمسينات والستينات أربعة وخمسة ملايين صهيوني، وكلما احتاجت أراضي أكثر قتلت وهجرت المزيد من أبناء فلسطين، وأصبح جيشهم من أقوى جيوش المنطقة، بينما الجيوش العربية أوهنت قوتها وضعفت إرادتها وشاخت عزيمتها. ولم تستطع الحكومات العربية والسلطة الفلسطينية أن تسترجع شيئاً من الأراضي العربية المحتلة بعد أن نكست السلاح ولجأت إلى طاولات المفاوضات، وحتى أرض سيناء ما زالت تحت الإدارة الصهيونية. وهكذا بإصرارها وبسياستها التوسعية الاستيطانية استطاعت الصهيونية أن تعتلي عرش الشرق الأوسط. من (1967) إلى (2012) خمسة وأربعون عاماً من تلك النكسة المؤلمة فلسطينياً وعربياً وإنسانياً، خمسة وأربعون عاماً قضى خلالها عشرات الآلاف من أبناء العروبة موتاً وسجناً، وتخلل هذه السنوات اتفاقيات عربية منفردة مع العدو الصهيوني توجت بعلاقات دبلوماسية ومبادلات تجارية وبجولات سياحية مع العديد من الأقطار العربية مقابل دماء أولئك الآلاف الذين استشهدوا من أجل تحرير تلك الأراضي المغتصبة، خمسة وأربعين عاماً تحول الصراع العربي - الصهيوني من صراع حياة ووجود إلى صراع أرض وحدود، حتى ذلك لم يشفع للطرف العربي بنيل ولو جزء يسير من حقه في تلك الأرض. وكيف ينال الفلسطيني والعربي حقه في أرضه والعدو الصهيوني لا يعترف بهذا الحق؟ بل استطاع الصهاينة بممارستهم لفن إدارة الصراع أن يُحققوا أهدافهم التوسعية ويجتثوا كل الحقوق السياسية والجغرافية الفلسطينية والعربية. وهذا بفضل الدعم الأمريكي السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي والمالي الغير محدود حتى أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية إحدى إدارات العدو الصهيوني، وبفضل التواني والتشتت العربي واستلابهم لحق الشعب العربي. فماذا فعلت الأنظمة العربية من أجل استعادة الأراضي العربية المحتلة؟ فهل استطاعت المفاوضات العربية - الصهيونية أن تعيد جزءاً من هذه الأراضي؟ هل سمحت الأنظمة العربية بتأسيس جيش عربي شعبي لتحرير فلسطين؟ هل استطاعت جيوش المقاومة والممانعة العربية أن تحرر فلسطين والجولان السوري؟ هل استطاعت القمم العربية أن تعمل شيئاً حقيقياً لتحرير الأراضي العربية؟ ماذا فعلت الجيوش العربية عندما اجتاح العدو الصهيوني لبنان في يونيو عام 1982؟ هل ساندت قوات منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان وحمتها من الخروج من لبنان؟ وكيف واجهت الجيوش العربية مذابح مخيمي صبرا وشاتيلا في لبنان؟ وما زالت النكسات العربية تتكرر، فبعد احتلال العراق وتفتيته طائفياً، وتقسيم السودان، بدأت السياسات الدولية والإقليمية تعمل على تغيير الأنظمة العربية تحت ذريعة الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان وباسم الربيع العربي، فيتم تغيير أشخاص القيادات وجلب قيادات بديلة أخرى يكون التعامل معها سهلاً ولتحقيق مكاسب دولية وإقليمية أكثر بعد أن شاخت تلك القيادات العربية وأصبحت مجموعة من الأوراق الصفراء حان وقت سقوطها. إلا أن المُضحك في الأمر أن بعض الحكومات العربية ما زالت ساذجة في الفهم السياسي والإستراتيجي لحقيقة الصراع العربي - الصهيوني، فهي تدرك حقيقة ضعفها وقوة عدوها، وتدرك جيداً بأنها غير قادرة على مقابلته في الميدان العسكري ولا حتى في الميدان السياسي، إلا أنها تواسي هذا الضعف والهزال بالتوسل إلى واشنطن تارة وإلى العواصم الغربية تارة أخرى بأن يضغطوا على العدو الصهيوني، وتطالب مجلس الأمن الدولي بأن يتخذ قرارات ضده، وكلنا يعرف بأن الفيتو الأمريكي يقف بالمرصاد لأي قرار يَصدر عن مجلس الأمن ضد العدو الصهيوني، بينما البند السابع ينتظر أي قطر عربي يخرج عن الطاعة الأمريكية والغربية. بما معناه.. أن دعوا العدو الصهيوني المُدلل يفعل ما يشاء.. وحتى أن يشاء الله بأن هذه النكسة الحزيرانية ستكون نكسة عربية دائمة، والدليل على ذلك أن آلام العرب تتضاعف سنوياً وفقر الشعب العربي يتوسع سنوياً، والسجون العربية والصهيونية تزداد سنوياً بالمعتقلين. وهذا بسبب أن التعامل الأمريكي والغربي مع الإنسان العربي يختلف تماماً عن التعامل مع الصهيوني!! ومع ذلك فنحن نؤمن ولا نحلم.. بأن الشمس العربية ستشرق يوماً.. يوماً لا تفوح منه رائحة الهزيمة والتخاذل.. يوماً لا يكون معنوناً بالخيانة والعجز.. ليتنا نعيش لنرى ونحتفل بذلك اليوم الأغر