بداية أشكر الزميل كمال الذيب على ملاحظته المهمة في مقاله أمس في جريدة الوطن، والتي انتبه لها وغفلنا عنها جميعاً؛ إذ التقط السيد كمال الذيب تناقض السيد عبدالنبي العكري في مؤتمره الصحافي مع ما يمثله كرئيس لجمعية الشفافية، وهي المؤسسة المعنية بكشف (المستور) خاصة في الشأن العام، ومعنية لا بتنمية ثقافة الإفصاح عن الذمة المالية فحسب؛ بل المعنية بحث الدولة على تشريع القوانين التي تجبر العاملين في الشأن العام على الإفصاح عن مصادر تمويلهم وتشريع العقوبات بخصوص الممتنعين عن إفصاح تلك الذمة المالية، فكيف ورئيس الشفافية يمتنع اليوم عن الشفافية؟ إذ قال السيد العكري رداً على سؤاله عن الجهة التي تمول سفراته الدائمة ومنها آخر سفرة إلى جنيف بأنه لن يفصح عن مموله الخاص وأن من حقه إخفاء جهة التمويل! إذ قال العكري بالنص كما ورد في صحيفة الوسط في عدد الثلاثاء 29 مايو “لا حق لأحد أن يسأل عن تمويل زيارتنا إلى جنيف، وهذا حق لنا، كما هو حق الوفود الأخرى، وكان يجب على الدولة التعامل معنا بالمساواة مع جميع منظمات المجتمع المدني. ورأينا في جنيف كيف أن وفود الدول الرسمية كانوا يسلمون على الوفود الأهلية هناك، ولكننا واجهنا كل صدود ومواقف غير ودية من الوفد الرسمي”. في هذه الحالة يا العكري فإنك تقر مبدأ عاماً جديداً وهو إن (سرق) رئيس جمعية الشفافية أموالاً عامة فيحق له الامتناع عن الإفصاح عن مصادر أمواله لأن السراق الآخرين يخفون مصادر أموالهم!! وهل بعد ذلك لا تريد أن تثار الشبهات عن مصادر التمويل؟ ليس هو فقط من تثار الشبهات حول جهات تمويله، فهناك الآن مجموعة من الصحافيين تقيم في لبنان ومجموعة تقيم في لندن ومجموعة تقيم في أستراليا هي الأخرى (منقولة) من كل ما يلزمها من تذاكر وسكن ومواصلات ومصاريف معيشية ومخصصات وتنتقل ضمن العواصم الأوروبية وتعمل على تأسيس تشغيل مواقع على الإنترنت وقناة فضائية، وكلهم لا يفصحون عن مصادر تمويلهم. مهمتهم هي الحصول على تقارير من المنظمات الدولية الخاصة بالإعلام وحقوق الإنسان والأطباء ويستعينون بها إما للجوء لمجلس الأمن للدفع باتجاه التدخل العسكري في البحرين أو للضغط على حكومة مملكة البحرين لفتح المجال لهم للعمل بحرية تامة لتقويض أمن واستقرار الدولة من خلال انتهاك القوانين وتجاوز المؤسسات، فإن لم يكن التغيير ممكناً عبر التدخل العسكري فالتغيير ممكن عبر العقوبات أو عبر الدعم الدولي لهم، كل تلك الأنشطة التي تعمل على تقويض الدولة ممولة من جهات مجهولة وأصحاب الأنشطة يتحدون الدولة بعدم إفصاحهم عن جهة التمويل، فإن كان للخيانة عنوان فما هو عنوان هذا النشاط؟! كل الذين يعملون الآن خارج البحرين يداومون عند بوابات المنظمات الدولية وينامون عند ماسحة أحذيتها من أجل التكرم عليهم بتقرير يدين البحرين للانتفاع به واستخدامه وتوظيفه، كلهم دون استثناء كانوا في مناصب إعلامية مرموقة في وطنهم إلى ما قبل 15 مارس 2011 وكانوا يعيشون في مستوى معيشي جيد ويكتبون ما يشاؤون ويعملون بكل حرية يحسدهم عليها كتاب في معظم الدول العربية بسقف مرتفع وبأمن وسلامة، ونماذج كتاباتهم مازالت موجودة في أرشفة الإنترنت يكفي أن تضع اسم أحدهم لتظهر مقالاتهم السابقة تشهد على سقف الحرية الذي كانوا يتمتعون به، وتشهد على المناصب التي ارتقوا إليها. واليوم جعلوا من البحرين سواداً ويصورون الإجراءات التي اتخذت في العام الماضي على أنها اتخذت ضد من كان آمناً في بيتهم ولا يدري لم قبض عليه وإنها كانت ضد “حرية التعبير”!! من يمولهم الآن؟ من يدفع مصاريفهم؟ لا أحد يعرف وهم لا يريدون أن يصرحوا، فإن كان للخيانة عنوان هو المال الأجنبي؛ فماذا يسمى هذا التمويل المجهول؟ كل منظمات المجتمع المدني للدول التي تحضر لمناقشة تقاريرها الدورية تفصح عن جهات تمويلها، ولا يوجد دولة من هؤلاء تسمح لأي منظمة مدنية أن تعمل دون أن تفصح عن مصادر تمويلها وإلا أغلقت بالشمع الأحمر، فكيف برئيس لجمعية الشفافية أن يكتم مموله الخاص ولا يفصح عنه، أليس الإفصاح عن جهة التمويل مبدأ أساسياً من مبادئ عملك؟ أم أنكم تأمرون الناس بالشفافية وتنسون أنفسكم؟!! نقول لكل هؤلاء الذين يعقدون مؤتمراتهم الصحافية ويذهبون لبيوتهم يتعشون ويتغطون بلحافهم ويعيشون بأمن ورغد البحرين؛ أنتم بحاجة للعلاج من عقدة المظلومية، فإنها داء مرضي مزمن ووراثي، يصور للإنسان صوراً وأوهاماً ويجعله يرتاب ويتلفت خلفه رغم أنه آمن مطمئن في بيته. ونقول للذين يتمسحون بأحذية الأجنبي من أجل إقناعه بالتدخل في وطنه العار سيلاحقكم لأجيال. وأقول لمؤسسات الدولة أن ترصد كل تلك الانتهاكات والمخالفات والجرائم التي يرتكبها هؤلاء وتحاسبهم عليها وفق القانون، وأن تخاطب المنظمات الدولية بلغة القوة والعزة لا الخنوع، وأن تتضمن تقاريرها الأدلة على خرق هؤلاء للقوانين البحرينية؛ ليس هذا فحسب بل وترفق أيضاً ضمن تقاريرها حزمة الأدلة المقارنة بين القوانين في الدول الديمقراطية والقوانين البحرينية التي تدين مثل تلك الأنشطة وتمنعها، فلا يجوز أن تحفظ الدول الأخرى دساتيرها وأمنها وتمنع مملكة صغيرة كالبحرين عن ضمان أمنها واستقرارها وسيادتها. فهل الخيانة للدول الأوروبية شكلها غير الخيانة للدولة البحرينية؟ أليس هناك تعريف مشترك؟ هل العقوبات مسموح بها هناك لمن يخون وطنه وممنوعة على البحرين؟ هل قبول الأموال الأجنبية في النشاط العام مسموح به في الغرب وممنوع في البحرين؟ هل تمويل الخيانة جائز هناك وممنوع في البحرين؟