استيقظ الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يوم الجمعة 21 جمادى الثانية عام 23 هـ منزعجاً من حلم رأه في تلك الليلة، حيث رأى في المنام كأن ديكاً نقره نقرة أو نقرتين، وعندما أخبر أحد المفسرين قال له إنه «سوف يقتل على يد أحد الأعاجم»، فذهب إلى صلاة الجمعة وخطب في الناس بعد الصلاة وأخبرهم بهذا الحلم، فشعر الناس بالضيق والخوف على حياة الخليفة العادل القوي الذي استطاع أن يجعل الدولة الإسلامية من أقوى الدول في العالم بعد أن هزم الإمبراطوريتين، الفرس والروم.
وفي اليوم التالي، بينما كان عمر بن الخطاب يؤم الناس في صلاة الفجر خرج عليه مجرم يدعى أبو لؤلؤة المجوسي، وهو ساجد ليطعنه بخنجر صنعه خصيصاً ليقتل به الخليفة، الذي كان يكرهه لأنه هزم الفرس وأسقط إمبرطواريتهم، وظلت كراهية الصفويين له إلى اليوم، وحاول الموجودون في المسجد القبض عليه لكنه عاركهم بخنجره الذي صنعه بحدين وقتل 13 شخصاً وقتل نفسه به.
صدم المسلمون بوفاة الخليفة العادل النزيه عمر بن الخطاب بعد أن استطاع أن يؤسس خلال سنوات حكمه الإحدى عشرة الدولة الإسلامية، ويقيم أركانها ويوطد بنيانها ويبسطها حتى وصلت إلى بحر قزوين شرقاً وحدود تونس غرباً، وبلاد الصقالبة والروم شمالاً، والسودان جنوباً، وأصبحت الدولة الإسلامية من أكبر الدول في ذلك العصر.
وصدم إمام المتقين سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث وقف على جسد عمر صديقه وأباه الروحي بعد موته باكياً رحيله المؤلم المفجع فقال بأسلوبه البليغ: «رحمة الله عليك يا أبا حفص، فوالله ما بقي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته يوم القيامة مثلك، ما مات رسول الله حتى عرفنا أن أفضلنا عنده أبو بكر الصديق، وما مات أبو بكر حتى عرفنا أن بعده عمر، كان أبو بكر أواهاً حليماً، وكان عمر ناصحاً لله فنصحه، والله ما خلفت أحداً إلى أن ألقى الله بمثل علمه وعمله منك، وأيم الله إن كنت أظن ليجعلك مع صاحبيك، وذلك أني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر»، فإن كنت لأظن أن يجعلك الله معهما».
وعندما جاء لعلي أهل نجران بعد وفاة عمر بطلب حق أخذه منهم عمر لمصلحة الدولة لكي يغير حكمه ليحصلوا على ما أخذ منهم، رد عليهم علي بأن الذي أخذه عمر منهم لم يكن لنفسه وإنما كان لجماعة من المسلمين وإنه لا يرد شيئاً صنعه عمر لأن عمر في نظر علي رشيد الأمر.
واتبع الفقهاء أسلوب علي بن أبي طالب في القضاء بأن لا يرد القاضي اجتهاد قضاء من قبله.
وعندما تولى علي بن أبي طالب الخلافة وفرغ من موقعة الجمل ودخل البصرة ثم الكوفة، لم ينزل في القصر الأبيض لأنه كان يعلم أن عمر بن الخطاب كان يكره أن ينزل فيه وأراد أن يسير على خطى صاحبه، ونزل في الرحبة وصلى في الجامع الأكبر ركعتين.
وأختم الحلقة الأخيرة بحديث لحفيد الخليفة والإمام علي بن أبي طالب، عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قوله الذي عبر به عن محبة آل البيت لعمر بن الخطاب، سأل حفص بن قيس، عبدالله بن الحسن عن المسح على الخفين عند الوضوء للصلاة ما دام قد لبسه قبل الصلاة السابقة، فقال له «امسح، فقد مسح عمر بن الخطاب رضي الله عنه»، فقال له حفص بن قيس «إنما أسألك أنت تمسح؟»، رد عليه عبدالله «ذاك أعجز لك، أخبرك عن عمر وتسألني رأيي، فعمر كانت خير مني ومن ملء الأرض». فقال حفص «يا أبا محمد، إن الناس يزعمون أن هذا منكم تقية»، فرد عليه عبد الله حفيد علي بن أبي طالب قائلاً: «اللهم إن هذا قولي في السر والعلانية، فلا تسمعن علي قول أحد بعدي»، ثم قال «من هذا الذي الذي يزعم أن علياً رضي الله عنه كان مقهوراً، وأن رسول الله أمره بأمر ولم ينفذه؟ وكفى بهذا إزراء على علي ومنقصة أن يزعم قوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بأمر ولم ينفذه».
إن آل البيت يعلمون أن الحكم شورى بين المسلمين، وأن أول المطبقين لهذا الحكم الإسلامي الذي ذكر في القرآن الكريم، سيدنا محمد رسول الله، صلى الله عيه وسلم، وأن ما حدث فتنة أرادها الفرس ومعهم اليهود، الذين ادعوا الإسلام مثل عبدالله بن سبأ الذي أشعل الفتنة الكبرى في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكل هدفهم هو إشعال الفتنة والتفرقة بين المسلمين من أجل إضعاف الدولة الإسلامية في ذلك العصر والعصور اللاحقة إلى يومنا هذا.
وأخيراً أرجو أن أكون قد وفقت بعد 11 حلقة أن أوضح مدى جمال ونبل العلاقة الإنسانية والفكرية بين الصديقين الروحيين الفاروق عمر بن الخطاب وإمام المتقين علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.