أشار الخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، خلال افتتاح دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعي السادس لمجلسي الشورى والنواب إلى الهوية الوطنية مرتين. الأولى في سياق الحديث عن الرؤية الاقتصادية الجديدة ٢٠٥٠ معتبراً إياها عنصراً أصيلاً للتنمية الشاملة والتربية الوطنية المبكرة. والثانية عندما أكد الخطاب بأنها أولوية وطنية يوليها صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه اهتماماً كبيراً لدرجة أن الخطاب تضمن توجيهاً للجهات المختصة لتنفيذ دراسة متكاملة لقياس الجاهزية في تأصيل الهوية البحرينية.
.
وتعرف بعض المصادر الهوية الوطنية بأنها شعور الشخص بالانتماء إلى الدولة، وتشمل عناصر سياسية وثقافية، وتعتبر ظاهرة اجتماعية يمكن أن تنشأ من وجود نقاط مشتركة في حياة الناس اليومية مثل الرموز الوطنية، واللغة، وتاريخ الأمة، والوعي الوطني، والمصنوعات الثقافية. ويقول بيبا كاتيرال أستاذ التاريخ بجامعة ويستمنستر ومؤسس مجلة (الهويات الوطنية) إن كل الدول عبارة عن بناء مصطنع من صنع البشر، ولا يعملون سوى بوجود نوع من الشعور بالانتماء لهم. والمتعارف عليه أنه كلما زادت صلابة الهوية الوطنية كان من الأسهل للدولة أن تنمو وتزدهر.
.
ويأتي هذا الاهتمام الكبير بالهوية الوطنية في ظل وجود تحديات تهدد أحياناً استقرار مجتمع البحرين الصغير المسالم والذي كثيراً ما تتأثر بعض فئاته بالعوامل الخارجية. ولعل أبرز هذه التحديات هي الاستقطابات الطائفية التي تقودها قوى خارجية تسعى للتفرقة بين أبناء الوطن الواحد، والتي مازالت تجتهد في دعواتها البغيضة، وتؤثر في البعض. وتحدٍ آخر خطير هو تغلغل أفكار أجنبية متطرفة يجلبها الانفتاح غير المنضبط بحيث تشجع الشباب على سلوكيات بعيدة عن القيم والمبادئ الإسلامية، بل وتطعن وتشكك فيها، فينسلخ الشاب عن عاداته ودينه، ويتحول إلى متمرد ورافض لمحيطه ومنعزل عنه.
.
كما أنه من الملاحظ أن التمسك بالهوية الفرعية عند بعض الفئات يطغى على الاعتزاز والتمسك بالهوية الوطنية الجامعة، فيستمر مثلاً الولاء الوجداني لبلد آخر ترجع إليه أصول الشخص أو حتى القبيلة ويتم تفضيلهما على الوطن وهنا تكمن خطورة بالغة بسبب ازدواجية الانتماءات. إضافة إلى ذلك، يلقي تزايد أعداد المقيمين وتجاوز نسبتهم نسبة المواطنين بظلاله على جوانب عديدة سواء اجتماعية أو عمرانية أو اقتصادية لتتأثر ديناميكية البلد والتفاعلات بين مكوناته المختلفة، ويهتز الشعور بالانتماء الأمر الذي يصيب الهوية الوطنية بشيء من الوهن.
.
لذلك ودرءاً للمخاطر يصبح تعزيز الهوية الوطنية وتأصيلها مشروعاً نبيلاً يقي البلد من الفرقة والفتنة واستيراد ما لا يحمد عقباه، كما يزيد من فرصها في النمو والتطور وتحقيق الإنجازات.