كنت قد كتبت قبل فترة الأثر المتفاقم للازدحام المروري على حياتنا اليومية، وكيف يؤثر على صحتنا الجسدية والنفسية، حيث يقضي المواطن ما يقارب ساعتين يومياً في رحلة الذهاب إلى العمل والعودة منه، مما يستهلك جزءاً لا يستهان به من أيامنا، ومع تطور السنين وزيادة الضغط وازدياد عدد المركبات في الشوارع، وجدتُ أنه من الضروري إعادة طرح هذا الموضوع للنقاش بما يتناسب مع الواقع الجديد الذي نعيشه.
من الواضح للجميع أن المشكلة أصبحت أكثر حدة هذه السنة، فمع ملاحظة ارتفاع مدة الرحلة إلى العمل لتتجاوز الساعة في كل اتجاه، خاصة لأولئك الذين يقطنون في الرفاع على سبيل المثال ويعملون في المنامة أو الحد أو المحرق، والعكس كذلك، كما لا ننسى الذي يعانون من طريق أطول كسكان مدينة سلمان وديار المحرق، وقد لاحظتُ بداية هذا الأسبوع أثناء توجّهي إلى شارع الشيخ عيسى بن سلمان، كيف تسبّبت شاحنة عملاقة تنعطف بصعوبة في شارع ضيق بتأخير طويل ومزعج، وكان ذلك في السادسة والنصف صباحاً، وهو وقت ذروة الحركة المرورية، وهذا أحد الأسباب التي دعتني لإعادة التطرّق لهذا الموضوع.
من الواضح أن الشاحنات التي لا تلتزم بقوانين المرور ولا تتوقف في أوقات الذروة «وهذه الأوقات والشوارع كذلك تحتاج إلى إعادة نظر»، إضافة إلى زيادة التصاريح لشركات التوصيل التي تسمح بتدفق كبير للمركبات في أوقات غير مناسبة، تسهم بشكل كبير في هذا الازدحام، كما يتضح أن إصدار رخص القيادة بلا تمييز أصبح يزيد الطين بلة، حيث يُسمح حتى للوافدين الذين لا تستلزم مهنهم القيادة بالحصول على رخص، مما يزيد الضغط على شوارعنا ويزيد من زحمتنا، لهذا ينبغي أن تكون هناك اشتراطات جديدة على الوافدين للحصول على رخصة السياقة وامتلاك المركبات كأن يكون أتى بوظيفة سائق أو وظيفة إدارية تستدعي حصوله على الرخصة، لا أن يأخذ هذه الرخصة ويمارس مهنة «تاكسي» غير مرخص في أوقات فراغه!
هذا الوضع لا يقتصر تأثيره على تضييع الوقت فحسب، بل يمتد ليشمل الإرهاق النفسي والجسدي، فالوقوف الطويل في طوابير السيارات يُعرّض المواطنين والمقيمين للتوتر والإجهاد، مما يؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية، وهذا بطبيعة الحال ما سينعكس على إنتاجية الموظف الذي يدخل العمل وكأنه قادم من سفر طويل، فلو افترضنا أن مشوار العمل يستغرق يومياً ساعة للذهاب وساعة للعودة، فهذا يعني أنك تقضي 10 ساعات أسبوعياً في الزحمة، أي شهرياً تصل هذه الساعات إلى حوالي 40 ساعة، وسنوياً تصبح 480 ساعة، أي ما يعادل 20 يوماً كاملاً في السنة، وإذا استمررت في هذا الروتين لمدة 40 سنة حتى سنّ التقاعد، فستكون قد قضيت نحو 800 يوم، أو أكثر من عامين من حياتك، محتجزاً في الزحمة!!لذلك أودّ أن أقترح على جميع الجهات المعنية أن تعمل على تمديد أوقات منع تجوال الشاحنات العملاقة لتشمل فترة ما بعد السابعة مساءً، وتحديد حركتها في أوقات متأخرة من الليل أو الفجر، حين تقل الحركة المرورية، ولا تستثني أي شوارع وخاصة جسر الحد الذي يختنق صباحاً وظهراً ومساءً، لعله بتطبيق هذا الإجراء أو تفعيله يخفّف من الازدحام ويُسهم في تعزيز السلامة وتحسين جودة الحياة اليومية لنا جميعاً عبر انسيابية الشوارع.