اليوم يصادف ذكرى عيد ميلادي، ولم أكن أتخيل للحظة أنني سأكتب في هذا اليوم رثاء بحق إنسان يوزن بالذهب أضعافاً مضاعفة، إنسان كان رمزاً للأخلاق والطيبة، رجل طوال معرفتي به وتعاملي معه على امتداد مراحل عمله وعطائه، كانت ”البحرين“ في قلبه وأمام عينه، وكان إخلاصه وولاؤه لترابها وقيادتها متجلياً فيه حتى دون أن يتكلم، رجل يوافقني كل من عرفه حينما أقول بأنه ”قطعة ذهب من الجنة“.
رحمك الله يا شيخ الأخلاق حمود بن عبدالله آل خليفة، تركتنا مبكراً جداً، ترجلت ومازلنا بحاجة لوجود رجال من نوعك، ومن معدنك الأصيل.
وكأنها البارحة حينما كان يحكي لي ونحن في الرياض، عن قصص جميلة رائعة عاشها حينما ترأس نادي القادسية الرياضي، وحينما باح لي بأمور أشك بأن كثيرين يعرفونها، وكيف أن حب البحرين والإخلاص لها والولاء لقيادتها والتمثيل الصادق لوطنه في الخارج، جعله يتصرف دوماً بمسؤولية وحكمة وصبر وأناة، حتى لو كان الأمر على حساب صحته ونفسيته، فهي البحرين التي لا يوجد أغلى منها في قلبه.
كان يقول رحمه الله: ”أخوي فيصل، بلادنا وقيادتنا أغلى وأكبر من كل شي. ولأجلهم الواحد يرخص بنفسه وبقدره ومكانته وشكله، فالشرف والرجولة في دفاعك عن بلادك وقيادتك، وأن تكون خير ممثل لهم أمام العالم“.
نعم، حمود بن عبدالله يشهد له جميع من عرفه وتعامل معه، يشهد على أخلاقه وصفاته الراقية وطيبته الواسعة كل من اقترب منه. حتى أشقائنا الخليجيين كانت لهم نظرة خاصة عن الشيخ حمود حينما كان سفيراً للبحرين في الشقيقة السعودية، ومن حسن حظي حينما عملت في الأمانة العامة لمجلس التعاون أنه كان سفيرنا في الرياض. وأتذكر عدداً من الزملاء الخليجيين وهم يتحدثون معي مرات ومرات عنه، وبالتحديد أذكر شقيقاً من الكويت حينما قال لي: ”فيصل، سفيركم هذا، قطعة من الجنة“!
البحرين بلاد الطيبة والكرم على امتداد القرون، واليوم حينما يرحل الطيبون نحزن لفقدهم، ونحزن لأن رصيد الطيبة في بلادنا نقص برحيلهم. حمود بن عبدالله كان مثالاً ونموذجاً للإنسان المتواضع، وسفيراً للنبل والأخلاق، هو شيخ من العائلة المالكة الكريمة، لكن من تعامل معه عرفه بأنه ”شيخ للأخلاق والتواضع والطيبة“.
لم يغتر بنفسه وحسبه أبداً، لم يتعالَ بمنصب إطلاقاً، كان محترماً بشكل يفوق التصور، كان لبقاً وذكياً، ساعياً للخير ومساعدة الناس، لم يطرق بابه أحد وصده، ولن أنتهي إن أردت تعديد صفاته وبيان سلوكياته التي عرفتها عن قرب.
من أشرف وأكرم وأروع الأشخاص الذين عرفتهم، والأهم، من أخلص الناس لهذا البلد وقيادته، وحينما تفقد مثل نوعية هؤلاء الأشخاص، ستدرك بأنك فقدت شيئاً عزيزاً في حياتك، ليس شخصاً فقط، بل فقدت مصدراً للإلهام، وقدوة ونموذجاً للاحتذاء به.
ألا تتذكر حينما سألتك يوماً: ”شيخ، شلون في كل المواقف ألاقيك مبتسم؟! علمني شلون دوم أبتسم“! وأتذكر جوابك الصامت الدائم، كانت تلك الابتسامة الرائعة التي لا تُنسى.
مثواك الجنة يا صاحب المعدن الأصيل، وجمعنا الله بك وأنت كعادتك .. مبتسم.