هناك مبدأ أساسي في هذه الحياة يُسمّى «مبدأ الأخذ والعطاء»، وفق هذا المبدأ فإن حياتنا اليومية، هي مجرّد معاملات، أعطي لآخذ، وآخذ لأعطي وهكذا لكن... هل شعرت يوماً أنك كنت تعطي الكثير دون أن تأخذ في مقابل عطائك هذا شيئاً؟ أو أن عطاءك كان يذهب في المكان الخاطئ ربما، أو لأشخاص لا يستحقون؟ أو أن هناك مجموعة من الأشخاص يتقنون فَنّ الأخذ بلا مقابل؟
.
كعادتي كل صباح بعد أخذ أبنائي للمدرسة، أبحث عن متّسع من الهدوء، فأذهب لأحتسي كوب القهوة على الشاطئ، جلستُ مع قلمي ودفتري في انتظار الهدوء الذي معه تنساب الكلمات وتترتّب في جُمَل، مَرّت أمامي سيّدتان تتحدثان بصوت عالٍ، يبدو أن مشكلةً ما حَدَثَتْ لإحداهن فحاولت الأخرى التخفيف عنها وقالت: لا تحزني، ليست هي المرة الأولى التي يسافر فيها زوجكِ مع أصدقائه ويترككِ مُدّة طويلة دون اتصال، لِمَ أنتِ غاضبة هذه المرة؟ أجابت المرأة الأخرى بحزن: لأنّي تعبت من تحمُّل مسؤولية ابنائي وحدي، بالذات في هذا الوقت إنها فترة الامتحانات وأنا وحدي وبلا خادمة، أشعر وكأني لا أستطيع حتى أن أمرض.
.
ثوانٍ معدودة وقَفَزَت المرأة بسعادة لأن زوجها أرسل لها رسالة نصّية، قالت تُحدِّث صديقتها: انظري لقد أرسل لي رسالة قال إنه كان مشغولاً مع أصدقائه، وإنه عائد بعد أسبوع، ملامح السعادة التي ارتسمت على وجه المرأة، جعلتني أظن للحظات، أنه قال أكثر من ذلك، لكنها فقط كلمات بسيطة جعلت المرأة الباكية تقفز فرحاً!!
.
كثيرون هم أولئك الذين يعرفون كيف يسلبون منك كل ما تستطيع أو لا تستطيع منحه بلا إرادة منك، وفي مقابل هذا الأخذ، فإنهم يمتنعون من إعطائك أبسط الأمور، وأنت مع الوقت أصبحت تظن، أنك لا تستحق أن تُعطى دون أن تعرف السبب، فتسعد عندما يأتي أحدهم ليعطيك القليل جداً، وتطير فرحاً، ظنّاً منك أن قليلهم هذا كان كثيراً.
.
من حولنا كثيرة هي نماذج الشخصيات، التي تُحبّ أن تأخذ منك ما تستطيع دون مقابل، في الأُسرة في العمل وفي الدراسة، كلٌّ على حسب احتياجه يأخذ، والمشكلة أن هؤلاء يعتبرون ما أخذوا حقاً مشروعاً وليس عطاءً منك، في حين أن الحقيقة هي أن لك كامل الحرية في أن تُعطي ولك الحرية في تحديد مقدار العطاء ولمن وكيف؟
.
الخلاصةإن السعادة الحقيقية التي يجهلها الكثير هي في العطاء لا في الأخذ، أن تُعطي من وقتك، من مالك، من فكرك، من طاقتك، ومن مشاعرك، كلها تعود عليك بسعادة خفيّة لن يُدركها، إلا من أعطى بإرادته الكاملة دون ضغط أو طلب، شعورك أنك كنت سبباً، في تلبية احتياج الشخص الآخر، هو فطرة خُلقنا عليها، لكننا مع الوقت تعلّمنا أن القوة هي في الأخذ لا في العطاء، في حين أن الحقيقة هي عكس ذلك.