- دائماً ما أُذَكّر نفسي أولاً بأن أستثمر كل لحظة مع من أحب، أحضنهم وأُقبّل جبينهم، وأمضي معهم بحُبّ في خطوات الحياة، أستفيد منهم وأفيد، أتحدث معهم عن جمال الحياة ومتعة العطاء، وأتحدث معهم عن الأثر الذي يجب أن نتركه في كل لحظات أعمارنا، وفي كل جلساتنا، فأستثمر كل شاردة وواردة لأحدّثهم عن الحُبّ ومعانيه ومعاني الأمل الذي ننشده في دنيا البشر. أقتنص كل فرصة لأكون بقربهم وأتحدث معهم عن المشاعر، وأُذَكّرهم بتلك العطاءات التي مشوا في ظلالها في أيام جميلة، كانوا بقربي، وقدّموا لي كل خير، وحرصوا على ألا يضعوا أي حاجز بيني وبينهم من أجل أن يتركوا أثرهم وقد تركوا. اليوم قد كبروا وكبرت أحلاهم، وآن الأوان لنتبادل معاً المحبة ورَدّ الجميل، وإن كثرت أحياناً همومهم وصعبت عليهم ظروف الحياة، ولكن يكفيهم حضن دافئ يُذَكّرهم بأيام الطفولة، ويكفيهم أن يكونوا بقرب من يُحبّون الذين يُذَكّرونهم بإطلالات الآباء والأجداد وينفّسوا عنهم مصاعب الحياة. والجمال الأكبر عندما تجد من يُقدّرك ويُقدّر خبرتك وعمرك وعطاءك، ويُقدّر المحبّة التي تتبادلها معه، فيعطيك أكثر مما تتوقّع، ويفاجئك برسائل وهدايا المحبّة، كما لو كنت معه تحت ظلال سقف واحد. كم هي جميلة الحياة عندما نستثمرها «بحُبّ» ونستثمرها في لقاء من نُحِبّ، فنتبادل معهم كلَّ الذكريات، حتى نستذكرها يوماً ما في الفردوس الأعلى، فنضحك عليها، ويُبدلنا الله تعالى حينها خيراً منها. نتبادلها قبل أن تتغيّر الظروف، وتتبدّل الأحوال ونفقد أحد المُحبّين من صورة التقطناها، أو تتبدّل الأيام بمفاجآت الأقدار، التي كتبها المولى الكريم. حينها من الصعوبة أن نُرجع ما كنّا نتمنّاه.
- صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: «فليقل خيراً أو ليصمت». فالصمت منهج حكيم في العديد من مواقف التصادمات الحياتية، وفي زحمة المشكلات اليومية التي لا تنتهي، فلا تعتقد أبداً أن الصمت هروب من المواجهة أو ضعف أو خوف، بقدر ما هو الحفاظ الفعلي على «سلامك الداخلي» وعلى ابتسامتك ونضارة تقاسيم وجهك، وعلى ثوابت أخلاقك التي لا ترضى بأن تتزعزع أو تنحدر مع مهاترات التصادمات والتجاذبات وأمراض النفوس. الصمت يُعطيك قوّةً وثباتاً وتوازناً وقيمةً حياتيةً أمام الآخرين، وأسلوبَ تعليمٍ لِمَن تاه في دُروب الحياة.
- كثيراً ما أتأمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حُرّم على النار كلُّ هيّن ليّن قريب من الناس». فوجدت أننا ابتعدنا عن سماحة الإسلام وأخلاق النُبوّة في تعاملات الاجتماعية، فالأخلاق الحميدة هي جوهر التعامل والأثر الذي يتركه المسلم في نفس كلّ من يتعامل معه. إنها أخلاق حُسن المَعشر واللين والوقار والسكون وأن يكون المسلم هيّناً في تعامله مع كل من يلقاه، في بيته وعمله ومجتمعه ومع أحبابه، أما القُرب من الناس فهو لُبّ الإسلام بأن يخالط المرء الآخرين ويكون قريباً منهم، ويمشي في حاجاتهم ويتبصّر بأحوال حياتهم، ويقف معهم في المُلمّات وفي أفراحهم ويَشدّ من أزرهم. ما أجمل الإسلام عندما يحثّ على ألا ينتصر المرء لنفسه بل لدينه، وأن يكون سهلاً في تعاملاته اليومية، يُحبّه الآخرون بأخلاقه وتعامله ولين الجانب، فلا يُعقّد من الأمور ولا يقف حجر عثرة أمام من يُحبّ، ولا يُصعّب من قرارته، لأن الأثر الجميل هو الذي سيبقى في نفوس من يتعامل معهم.
- لن أبالغ عندما أقول بأن هناك العديد من الحقائق الحياتية تتأجل في إظهار ملامحها إلى زمن يقدّره المولى الكريم، ولحكمة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، ذلك لأن البعض يعتقد بأن ما يقوم به من تصرّفات مذمومة ليس له أي اعتبار في موازين الأخلاق، بل سيذهب أدراج الرياح، ولا يعلم أن وراء كل تصرّف أرعن، وكل قرار ظالم، إنما مردّه إلى لحظات قادمة سيعرف أثر ما قام به، وثمرة السلوك الذي تَصرّفه عندما تتكشّف أمامه الحقائق، ويتحسّر على لحظات لم يعرف قيمتها. فالجزاء من جنس العمل في كلّ أحوال الحياة.
- عندما تتدارس قضايا الآخرين ومصائرهم، فضع نفسك في مكانهم قبل أن تتّخذ أيَّ وجهة نظر حاسمة تجاههم، والتي قد تضعك في موقف مُحرج، أو تُخسرك علاقاتك معهم والتي حرصت على بنائها لفترة طويلة. فعندما ترسم صورتك الذهنية في ذلك الموقف وتتخيّل أثره وتفاصيله لحظةً بلحظة، وترجع إلى نقاطه الأولى وإلى كل المواقف التي دارت قبل حدوث الموقف، فإنك حينها ستعرف «الأثر السلبي» العائد على تلك الشخصية والذي كان نتيجة حتمية لتراكمات عقيمة للعديد من المواقف. الحكمة في هذا الإطار سيدة الموقف، والإنسانية أحياناً يجب أن تتغلّب على جمود الإجراءات، ففي نهاية المطاف يجب أن تترك بصمتك الإنسانية التي لن تُنسى في نفوس الآخرين.
ومضة أمل
اللهم جمّل أيامنا بأجمل العطايا، وسخّرنا لخدمة عبادك، وأعنّا على ما يُرضيك عنا.