الأمر جلّه يبدأ بمن يحدد ساحة المباح السياسي، أي الساحة التي تتفاعل فيها الأفكار السياسية بجدلية "فكرية" أساسها المصلحة العامة للمساحة الجغرافية التي تنتمي إليها، والدستور بدوره يحدّد نطاق العمل السياسي المباح؛ المثال: ليس دستورياً المطالبة بإلغاء النظام الدستوري من خارج الأدوات التي حدّدها الدستور المراد تغييره أو تعديله بغضّ النظر عن النصاب الخاص في اعتماد التعديل الدستوري، أو درجة جمود النص الدستوري.
لملء الفراغ الموضوعي داخل الساحة السياسية التي حددها الدستور؛ أنت بحاجة لما يُطلق عليه "الأيديولوجيا"، الأيديولوجيا بمعناها السياسي، هي البناء النظري الذي يميّز فريقاً سياسياً عن الآخر، وبالتالي يُطلع الجمهور على أساس دوافعه الفكرية من هذا التعديل للنص الدستوري في المثال السابق.
ربما السوابق السلبية للأيديولوجيات الفاعلة داخل الفئة النشطة "سياسياً" لم تكن إيجابية، أو ربما عن إدراك نسبي لمفاهيم من هذا النوع لدى الجمهور! هذا لا يعني أن ما لا يدرك كله لا يدرك جله، لأن فهم الأيديولوجيا كأداة ضرورية لممارسة السياسية، هو الخطوة الأولى كمتطلّب دستوري لبناء الحزب السياسي أو الجمعية السياسية، ومن ثَمَّ اختيار الفرد أو المواطن للتوجّه السياسي الذي يميل إليه فكرياً، حينها عليه أن يكون مستعداً لوضع أفكاره على الساحة السياسية، ويقبل "الجدل الفكري" الموجّه إلى نظريته، ما يمنع الحاجة إلى العنف أو التنمّر أو الأحكام المُسبقة عن الآخرين.
ربما كان السلم الأهلي قوامه إدراك أهمية الجدل الفكري، الملتزم بالمحددات الدستورية والبعيد عن المزايدات ذات الطابع الأخلاقي أو الرمزي.